فجأهم العذاب ، واتباعه كناية عن الاهتمام به ، وترك غيره ، كما هو دأب التابع للشيء.
و (الَّذِينَ ظَلَمُوا) أعم من المباشرين بأنفسهم للفساد ، ومن تاركي النهي عنه ، وقصره الزمخشري على الثاني ، لأنهم المقصود بالنعي قبله ، حيث قال : أراد ب (الذين ظلموا) تاركي النهي عن المنكرات ، أي لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعقدوا هممهم بالشهوات ، واتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والتترف ، من حب الرئاسة والثروة ، وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا ما وراء ذلك ، ونبذوه وراء ظهورهم.
(وَكانُوا مُجْرِمِينَ) أي باتباعهم المذكور ، أو كافرين ، قال القاضي : كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة ، وهو فشو الظلم فيهم ، واتباعهم للهوى ، وترك النهي عن المنكرات مع الكفر ، وقد أشير لذلك بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (١١٧)
(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) أي بأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر. و (بظلم) الباء فيه إما للملابسة ، وهو حال من الفاعل ، أي استحال في الحكمة أن يهلك القرى ظالما لها ، وتنكيره للتفخيم ، والإيذان بأن إهلاك المصلحين ظلم عظيم. أو للسببية ، والظلم : الشرك ، أي لا يهلك القرى بسبب إشراك أهلها وهم مصلحون يتعاطون الحق فيما بينهم ولا يضمون إلى شركهم فسادا آخر ، وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه تعالى. ولذا قيل : (يبقى الملك مع الشرك ، ولا يبقى مع الظلم) وهذا ، وإن كان صحيحا ، إلا أن مقام دعوة الرسل إلى التوحيد ، ومحو الشرك أوّلا ، ثم إلى الاستقامة في المعاملات ثانيا ـ يقضي بحمل (الظلم) هنا على ما هو أعم من الشرك ، وأصناف المعاصي. وحمل الإصلاح على إصلاحه ، والإقلاع عنه بكون بعضهم متصدين للنهي عنه ، وبعضهم متجهين إلى الاتعاظ ، غير مصرّين على ما هم عليه من الشرك ونحوه ـ كذا أشار له أبو السعود.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (١١٨)
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) أي مجتمعة على الحق والإيمان