وقوله : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالذكر. حال من ضمير (نسلكه) أي مكذّبا مستهزأ به غير مقبول.
قال الزمخشري : كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت : كذلك أنزلها باللئام. تعني مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية. وقيل الجملة بيان لما قبلها. وجوّز في ضمير (نسلكه) أن يعود إلى الاستهزاء والتكذيب المعلوم. وقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) استئناف جيء به تكملة للتسلية ، وتصريحا بالوعيد والتهديد. أي قد مضت السنة فيهم من هلاكهم. وزهوق باطلهم ، ونصر الرسل ، وغلبة جنود المؤمنين عليهم ، واستعمارهم ديارهم. ثم بيّن تعالى أنهم لا يتركون الاستهزاء بالرسل وإن أتتهم الآيات التي تشبه الملجئة لقوة عنادهم وبغيهم ، بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (١٥)
(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) أي على هؤلاء المستهزئين (باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا) أي فصاروا طول نهارهم (فِيهِ يَعْرُجُونَ) أي يصعدون مستوضحين لما يرونه فيها من العجائب (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) أي حيّرت أو حبست من الإبصار ، وما نراه شيء نتخايله لا حقيقة له (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ).
قال الناصر في (الانتصاف) : المراد ، والله أعلم ، يعني من الآيتين ، إقامة الحجة على المكذبين بأن الله تعالى سلك القرآن في قلوبهم وأدخله في سويدائها. كما سلك ذلك في قلوب المؤمنين المصدقين. فكذب به هؤلاء وصدق به هؤلاء. كلّ على علم وفهم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢٢] ، ولئلا يكون للكفار على الله حجة بأنهم ما فهموا وجوه الإعجاز كما فهمها من آمن. فأعلمهم الله تعالى من الآن. وهم في مهلة وإمكان ، أنهم ما كفروا إلا على علم. معاندين باغين غير معذورين ، والله أعلم. ولذلك عقبه تعالى بقوله (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) الآية ، أي هؤلاء فهموا القرآن وعلموا وجوه إعجازه وولج ذلك في قلوبهم ووقر ، ولكنهم قوم سجيتهم العناد وسيمتهم اللدد ، حتى لو سلك بهم أوضح السبيل وأدعاها إلى الإيمان بضرورة المشاهدة ، وذلك بأن يفتح لهم باب في السماء ويعرج بهم إليه حتى يدخلوا منها نهارا.