وسلكه ينابيع في الأرض وجعله عذابا ورحم العباد بسقياه (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) أي الباقون بعد هلاك الخلق كله. وقيل للباقي : وارث ، استعارة من (وارث الميت) لأنه يبقى بعد فنائه. ومنه قوله صلوات الله عليه في دعائه : واجعله الوارث منا. كذا في (الكشاف).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٢٥)
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) أي من تقدم ولادة وموتا. ومن تأخر من الأولين والآخرين. أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد. أو من تقدم في الإسلام وسبق إلى الطاعة ومن تأخر. لا يخفى علينا شيء من أحوالكم. وهو بيان لكمال علمه ، بعد الاحتجاج على كمال قدرته ؛ فإن ما يدل على قدرته دليل على علمه. وفي تكرير قوله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا) من كمال التأكيد ما لا يخفى (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) أي الأولين والآخرين على كثرتهم (إِنَّهُ حَكِيمٌ) أي يدبر أمرهم في الحشر على وفق الحكمة (عَلِيمٌ) أي بكل ما فيهم من خفايا الصفات الذميمة (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) [الأنعام : ١٣٩].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٢٧)
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يعني آدم (مِنْ صَلْصالٍ) أي طين يابس مصوّت (مِنْ حَمَإٍ) صفة لصلصال. أي كائن من طين متغير مسود (مَسْنُونٍ) أي مصوّر من (سنة الوجه) وهي صورته. أو مصبوب ، من (سنّ الماء) صبّه. أي مفرغ على هيئة الإنسان. كأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ، فيبس حتى إذا نقر صلصل ، ثم صيّره جسدا ولحما ونفخ فيه من روحه (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل الإنسان.
(مِنْ نارِ السَّمُومِ) أي من نار الريح الشديد الحرّ.
قال أبو السعود : ومساق الآية ، كما هو ، للدلالة على كمال قدرته تعالى ، وبيان