أن تستغني ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ، من زخارف الدنيا وزينتها ، أصنافا من الكفار متمنيا لها. فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته. وفي التعبير عما أوتوه (بالمتاع) إنباء عن وشك زوالها عنهم.
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي لعدم إيمانهم ، المرجوّ بسببه تقوّي ضعفاء المسلمين بهم (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي تواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم. وطب نفسا عن إيمان الأغنياء والأقوياء.
(وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) أي المنذر المظهر للعذاب لمن لم يؤمن (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) أي مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين. أو إنذارا مثل ما أنزلنا. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : المقتسمون أصحاب صالح عليهالسلام ، الذين تقاسموا بالله لنبيّتنّه وأهله فأخذتهم الصيحة ، كما مر. فالاقتسام من (القسم) لا من القسمة.
وهذا التأويل اختاره ابن قتيبة.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣)
(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) أي أجزاء جمع (عضة) يعنى كفار مكة. قالوا : سحر. وقالوا : كهانة. وقالوا : أساطير الأولين. وهو مبتدأ خبره (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ، (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أي من التقسيم فنجازيهم عليه. وجوز تعلق (كما) بقوله : (لَنَسْئَلَنَّهُمْ) أي لنسألنهم أجمعين مثل ما أنزلنا. فيكون (كما) رأس آية و (المقتسمون) حينئذ ، إما من تقدم ، أو المشركون. ويعنى بالإنزال عليهم إنزال الهداية التي أبوها. وجوّز جعل الموصول مفعولا أول للنذير ، أو لما دلّ عليه من أنذر. أي النذير. أو أنذر المعضين الذين يجزئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير ، مثل ما أنزلنا على المقتسمين. وجوّز جعل (كما) متعلقا بقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ) أي أنزلنا عليك كما أنزلنا على أهل الكتاب الذين جزءوا القرآن إلى حق وباطل. حيث قالوا : قسم منه حق موافق لما عندنا. وقسم باطل لا يوافقه. أو القرآن هو مقروؤهم. أي قسموا ما قرءوا من كتبهم وحرفوه. فأقروا ببعضه وكذبوا ببعضه. والله أعلم.