ومثله ما رواه ابن مسعود : قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم نصلي في ظل الكعبة. وناس من قريش وأبو جهل قد نحروا جزورا في ناحية مكة : فبعثوا فجاؤوا بسلاها وطرحوه بين كتفيه وهو ساجد. فجاءت فاطمة فطرحته عنه. فلما انصرف قال : اللهم! عليك بقريش وبأبي جهل وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأميّة بن خلف وعقبة بن أبي معيط (١).
قال ابن مسعود رضي الله عنه : فلقد رأيتهم قتلى في قليب بدر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩)
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) لما ذكر تعالى أن قومه يهزئون ويسفهون ، أعلمه بما يعلمه سبحانه منه ، من ضيق صدره وانقباضه بما يقولون : لأن الجبلّة البشرية والمزاج الإنساني يقتضي ذلك. ثم أعلمه بما يزيل ضيق الصدر والحزن. وذلك أمره من التسبيح والتحميد والصلاة. كما قال تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ٤٥] ، وقال : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢٨] ومعلوم أن في الإقبال على ما ذكر ، استنزال الإمداد الربانيّ بالنصر والمعونة. لقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة : ١٥٣] و [الأنفال : ٤٦] ، وقوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢] ، وقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل : ١٢٨].
وقد روي في شمائله صلوات الله عليه ؛ أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، تأويلا لما ذكر.
قال أبو السعود : وتحلية الجملة بالتأكيد لإفادة تحقيق ما تضمنته من التسلية. وفي التعرض لعنوان الربوبية ، مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام. ما لا يخفى من إظهار اللطف به عليه الصلاة والسلام ، والإشعار بعلة الحكم ، أعني الأمر بالتسبيح والحمد. والمراد من (الساجدين) المصلين. من إطلاق الجزء على
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الوضوء ، ٦٩ ـ باب إذا ألقي على ظهر المصلّي قذر أو جيفة ، حديث ١٧٩. وأخرجه مسلم في : الجهاد والسير ، ٣٩ ـ باب ما لقي النبيّ صلىاللهعليهوسلم من أذى المشركين والمنافقين ، حديث ١٠٧.