كما أفاده أبو السعود (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) أي لوحدانيته تعالى ، جاحدة لها ، كما أخبر عنهم ، متعجبين من ذلك بقوله : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥] ، وقال تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ، وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ، إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر : ٤٥] ، وقوله تعالى : (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) أي عن عبادته تعالى : (لا جَرَمَ) أي حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) أي عن التوحيد ، وهم المشركون. أو عن الحق مطلقا فيتناول هؤلاء. وهذا كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر : ٦٠].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٢٥)
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي لم ينزل شيئا. إنما هذا الذي يتلى علينا أحاديث الأولين ، استمدها منها. كما قال تعالى : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥] ، (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : قالوا ذلك ليحملوا أوزارهم الخاصة بهم ، وهي أوزار ضلالهم في أنفسهم ، وبعض أوزار من أضلوهم. كقوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ ، وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت : ١٣] ، فاللام في قوله : (لِيَحْمِلُوا) لام العاقبة. لأن ما ذكر مترتب على فعلهم ولا باعثا إما مجازا. وإما حقيقة ، على معنى أنه قدّر صدوره منهم ليحملوا. وقد قيل : إنها للتعليل وإنها لام أمر جازمة. والمعنى : إن ذلك متحتم عليهم. فيتم الكلام عند قوله : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) كذا في (العناية). وقوله تعالى : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) قال الزمخشري : حال من المفعول : أي : من لا يعلم أنهم ضلال. وإنما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلوه ، وإن لم يعلم ، لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل. فجهله لا يعذره (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) أي : ألا بئس ما يحملون. ففيه وعيد وتهديد.