القول في تأويل قوله تعالى :
(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٤٥)
(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) أي المكرات السيئات التي قصّت عنهم. فهي صفة لمصدر محذوف أو مفعول ل (مكروا) بتضمينه معنى (عملوا) (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أي من جهة لا يعلمون بها ، كما لا يشعر الممكور بقصد الماكر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) (٤٨)
(أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) أي سعيهم في المعايش واشتغالهم بها (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي لا يعجزون ربهم على أي حال كانوا (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) أي توقع للهلاك ومخافة له ، فإنه يكون أبلغ وأشد. أو ننقّص في أبدانهم وأموالهم وثمارهم حتى يهلكوا. يقال : تخوفه : تنقصه وأخذ من أطرافه (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم بالعقوبة. ثم أخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه بانقياد سائر مخلوقاته ، جمادات وحيوانات ومكلفين من الجن والإنس والملائكة له سبحانه ، بقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) أي جسم قائم له ظلّ (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) أي يرجع شيئا فشيئا (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) أي عن جانبي كل واحد منها ، بكرة وعشيّا (سُجَّداً لِلَّهِ) أي منقادة له على حسب مشيئته في الامتداد والتقلص وغيرهما ، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له (وَهُمْ داخِرُونَ) أي صاغرون. وغلب في جمعها من يعقل ، فأتى بالواو. أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء. فهو إما تغليب أو استعارة : وكذا ضمير (هم) أيضا لأنه مخصوص بالعقلاء. فيجوز أن يعتبر ما ذكر فيه ، ويجعل ما بعده جاريا على المشاكلة.
لطيفة :
لابن الصائغ في سر توحيد اليمين وجمع الشمائل توجيه لطيف. وملخصه أنه نظر إلى الغاية فيهما. لأن ظل الغداة يضمحلّ بحيث لا يبقى منه إلا اليسير. فكأنه