(إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) أي ما هذا التوحيد إلا فرية محضة ، لا مستند له سوى هذا الذكر بزعمهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (٨)
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) أي مع أن فينا من هو أثرى وأعلى رئاسة. قال الزمخشريّ : أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم ، وينزل عليه الكتاب من بينهم كما قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ، وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد ، على ما أوتي من شرف النبوة من بينهم (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) إضراب عن مقدّر. أي : إنكارهم للذكر ليس عن علم ، بل هم في شك منه. يقولون في أنفسهم : إمّا وإمّا (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أي على الإنكار. فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد ، وصدّقوا وتصديقهم لا ينفعهم حينئذ لأنهم صدقوا مضطرين.
قال الناصر في (الانتصاف) : ويؤخذ منه أن (لما) لائقة بالجواب. وإنما ينفى بها فعل يتوقع وجوده. كما يقول سيبويه. وفرق بينها وبين (لم) بأن (لم) نفي لفعل يتوقع وجوده لم يقبل مثبته (قد). و (لما) نفي لما يتوقع وجوده أدخل على مثبته (قد).
وقال : وإنما ذكرت ذلك لأني حديث عهد بالبحث في قوله عليه الصلاة والسلام : الشفعة فيما لم يقسم. فإني استدللت به على أن الشفعة خاصة بما يقبل القسمة. فقيل لي : إن غايته أنه أثبت الشفعة فيما نفى عنه القسمة. فإما لأنها لا تقبل قسمة. وإما أنها تقبل ولم تقع القسمة ، فأبطلت ذلك بأن آلة النفي المذكورة (لم) ومقتضاها ، قبول المحل الفعل المنفيّ وتوقع وجوده. ألا تراك تقول : الحجر لا يتكلم. ولو قلت : الحجر لم يتكلم. لكان ركيكا من القول ، لإفهامه قبوله للكلام. انتهى. وهو لطيف جيد.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) (٩)
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) أي حتى يتخيروا للنبوة ما تهوى أنفسهم. كلا (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص : ٦٨] ، (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤].