القول في تأويل قوله تعالى :
(أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (٦٨)
(أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) لتمادي غفلتكم. فإن العاقل لا يعرض عن مثله. كيف وقد قامت عليه الحجج الواضحة. أما على التوحيد ، فما مرّ من آثار قدرته وصنعه البديع. أما على بعثته صلىاللهعليهوسلم به ، فقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٦٩)
(ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) أي فإن إخباره عن محاورة الملائكة وما جرى بينهم ، على ما ورد في الكتب المتقدمة ، من غير سماع ومطالعة كتاب ، لا يتصور إلا بالوحي.
قال القاشانيّ : وفرق بين اختصام الملأ الأعلى واختصام أهل النار بقوله في تخاصم أهل النار (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌ) وفي اختصام الملأ الأعلى (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) لأن ذلك حقيقيّ لا ينتهي إلى الوفاق أبدا. وهذا عارضيّ نشأ من عدم اطلاعهم على كمال آدم عليهالسلام ، الذي هو فوق كمالاتهم. وانتهى إلى الوفاق عند قولهم (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] ، وقوله تعالى : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ٣٣] ، على ما ذكر في البقرة عند تأويل هذه القصة. انتهى.
وبالجملة ، فالاختصام المذكور في الآية ، هو المشار إليه في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] ، قال الرازيّ : وهو أحسن ما قيل فيه.
ثم قال : ولو قيل : كيف جازت مخاصمة الملائكة معه تعالى؟ قلنا : لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب. وذلك يشابه المخاصمة والمناظرة. والمشابهة علة لجواز المجاز. فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه. انتهى.
وملخصه : أن (يَخْتَصِمُونَ) استعارة تبعية ل (يتقاولون). وقيل : معنى الآية نفي علم الغيب عنه صلىاللهعليهوسلم وردّ اقتراحهم عليه أن يخبرهم بما يحدث في الملأ الأعلى من التخاصم ، كقوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ)