(فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي أهلكوا أنفسهم بالضلال ، وأهليهم بالإضلال. أو خسروا أنفسهم بالهلاك وأهليهم به أيضا. إن كانوا مثلهم ، أو بفقدهم فقدا لا اجتماع بعده ، إن كانوا من أهل الجنة (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (١٦)
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي أطباق من النار (ذلِكَ) أي العذاب المتوعد به (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) أي بعدم التعرض لما يوجب السخط. قال الزمخشري : وهذه عظة من الله تعالى ، ونصيحة بالغة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١٩)
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) يعني الأوثان. و (فعلوت) للمبالغة (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى) أي بالثواب (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي إيثارا للأفضل واهتماما بالأكمل. قال الزمخشري : أراد أن يكونوا نقادا في الدين ، يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل. ويدخل تحته المذاهب واختيار أثبتها على السبك ، وأقواها عند السبر ، وأبينها دليلا وأمارة. وأن لا تكون في مذهبك كما قال القائل :
ولا تكن مثل عير قيد فانقادا
يريد المقلد. انتهى ويدخل تحته أيضا إيثار الأفضل من كل نوعين ، اعتراضا. كالواجب مع الندب. والعفو مع القصاص. والإخفاء مع الإبداء في الصدقة ، وهكذا (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) أي أفأنت تنقذه منها؟ أي : لا يمكن إنقاذه أصلا.