شك في هذا ، فلكل من لا لسان له ولا شفتين ولا أضراس ولا حنك ولا حلق ، فلا يكون منه القول المعهود منا. هذا مما لا يشك فيه ذو عقل. فإذ هذا هكذا كما قلنا بالعيان ، فكل قول ورد به نصّ ولفظ مخبر به عمن ليست هذه صفته ، فإنه ليس هو القول المعهود عندنا. لكنه معنى آخر. فإذ هذا كما ذكرنا ، فبالضرورة صح أن معنى قوله تعالى : (أَتَيْنا طائِعِينَ) إنما هو على نفاذ حكمه عزوجل وتصريفه لهما. انتهى.
وكذا الحال في (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) فإنهما لما نزلا ... وهما من الجمادات ـ منزلة العقلاء ، إذ أمرا وخوطبا على طريق المكنية أو التمثيلية ، أثبت لهما ما هو من صفات العقلاء من الطوع والكره ترشيحا. وهما مؤولان ب (طائع وكاره) لأن المصدر لا يقع حالا بدون ذلك ، ويجوز كونهما مفعولا مطلقا. وإنما قال (طائِعِينَ) بجمع المذكر السالم مع اختصاصه بالعقلاء الذكور. وكان مقتضى الظاهر (طائعات) أو (طائعتين) نظرا إلى الخطاب والإجابة والوصف بالطوع والكره.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (١٢)
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) أي أحكمهن بإزالة رخاوة الدخان.
قال المهايميّ ولم يجعل لمادتها يوما. لأنها كمادة الأرض. فدخلت في يومها (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أي ما أمر به فيها ودبّره من الملائكة والخلق الذي فيها ، وما لا يعلم (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) فإنها كالسقف المرفوع المزين بمصابيح معلقة به ، ما يدعو إلى الاستدلال بها على قدرة صانعها وحكمته (وَحِفْظاً) أي من الشياطين أن تسترق أخبارها (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (١٣)
(فَإِنْ أَعْرَضُوا) أي عن هذا الاستدلال ، وعن الإيمان بهذا العزيز الغالب على كل شيء ، الذي اقتضى علمه ترتيب بعض الأمور (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) لأنكم مثلهما في العناد ، ومثل عاد في الاستكبار ، ومثل ثمود في استحباب العمى على الهدى.