بني آدم ، لنظروا إلى ملكوت السموات. فإذا زالت العلائق الجسمانية ، والتدبيرات البدنية ، فقد زال الغطاء والوطاء ، فيتصل الأثر بالمؤثر ، والقطرة بالبحر ، والشعلة بالشمس». انتهى.
وهو مشرب صوفيّ ومنزع فلسفيّ ، فيه شية من الرقة (وَلَكُمْ فِيها) أي في الآخرة (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) أي من الروح والريحان والنعيم المقيم (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) أي تتمنون (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) أي إكراما معدّا لكم ، من غفور لذنوبكم ، ورحيم بتفضله وتطوله.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٣)
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي لا أحد أحسن مقالا ممن دعا الناس إلى عبادته تعالى ، وكان من الصالحين المؤتمرين ، والمسلمين وجوههم إليه تعالى في التوحيد.
لطائف :
الأولى ـ قال القاشاني : وإنما قدم الدعوة إلى الحق والتكميل ، لكونه أشرف المراتب ، ولا لاستلزامه الكمال العلمي والعملي. وإلا لما صحت الدعوة. انتهى.
الثانية ـ في الآية إشارة إلى ترغيبه صلىاللهعليهوسلم في الإعراض عن المشركين ، وعما كانوا يقولونه من اللغو في التنزيل ، مما قصه تعالى عنهم فيما تقدم. وإرشاده إلى المواظبة على التبليغ ، والدعوة ، ببيان أن ذلك أحسن الطاعات ورأس العبادات. فهذا هو سر انتظام هذه الآية في إثر ما سبق. وثمة وجه آخر. وهو أن مراتب السعادات اثنان : كامل وأكمل. أما الكامل فهو أن يكتسب من الصفات الفاضلة ما لأجلها يصير كاملا في ذاته. فإذا فرغ من هذه الدرجة ، اشتغل بعدها بتكميل الناقصين. فقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) [فصلت : ٣٠] و [الأحقاف : ١٣] ، إشارة إلى المرتبة الأولى. وهي اكتساب الأحوال التي تفيد كمال النفس في جوهرها. فإذا حصل الفراغ من هذه المرتبة ، وجب الانتقال إلى المرتبة الثانية ، وهي الانتقال بتكميل الناقصين. وذلك إنما يكون بدعوة الخلق إلى الدين الحق. وهو المراد من قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً) الآية واعلم أن من آتاه الله قريحة قوية ، ونصيبا وافيا من العلوم الإلهية ، عرف أنه لا