جوهر اللفظ ، كما يفعله الباطنية والاتحادية والملاحدة وغلاة المتصوفة (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) أي بهذا القرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) أي فهم هالكون. فالخبر محذوف. أو الجملة بدل من جملة (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) أي منيع محمي عن التغيير والتبديل ، وعن محاكاته بنظير.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤٢)
(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي لا يتطرق إليه البطلان من جهة من الجهات.
قال القاشاني : لا من جهة الحق فيبطله بما هو أبلغ منه وأشد إحكاما في كونه حقا وصدقا. ولا من جهة الخلق فيبطلونه بالإلحاد في تأويله ، ويغيرونه بالتحريف لكونه ثابتا في اللوح محفوظا من جهة الحق ، كما قال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] ، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمي من جميع جهاته. فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين. هذا على أن ما بين يديه وما خلفه ، كناية عن جميع الجهات. كالصباح والمساء كناية عن الزمان كله. أو المعنى : لا يتطرق إليه باطل في كل ما أخبر عنه من الأخبار الماضية والآتية. والماضية ما بين يديه ، والآتية ما خلفه. أو العكس كما مرّ (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) قال ابن جرير : أي هو تنزيل من عند ذي حكمة ، بتدبير عباده وصرفهم فيما فيه مصالحهم ، محمود على نعمه عليهم بأياديه عندهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) (٤٣)
(ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) أي ما يقول لك كفار قومك ، إلا مثل ما قال للرسل كفار قومهم ، من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة. أي فاصبر كما صبروا (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) أي لذنوب التائبين إليه من ذنوبهم ، بالصفح عنهم (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) أي لمن أصرّ على كفره وذنوبه ، ومات قبل التوبة منها.