شرط مقدر. كأنه قيل بعد إنكار كل وليّ سواه : إن أرادوا وليا بحق ، فالله هو الوليّ بالحق ، لا وليّ سواه (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي هو المحيي القادر ، فكيف تستقيم ولاية غيره ، وقوله (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) تمهيد لما يأتي بعد ، من الأمر بإقامة الدين وعدم التفريق فيه ، الذي هو وصية الله تعالى لأنبيائه ، وشرعته لخلقه ، وتنبيه على أن خلاف من خالف من المشركين والكافرين ، إنما مردّه إلى الله تعالى وحكمه وقضائه. وأنه لا دين إلا دينه ، ولا عبادة إلّا عبادته ، ولا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، والقصد الرد على مشركي مكة وأمثالهم ، في تشريعهم ما لم يأذن به الله ، وتحكيمهم إتباع الآباء وأفانين الأهواء. فإن السورة مكية. ومع ذلك ، فتدل الآية على أن ما اختلف فيه المختلفون وتنازعوا في شيء من الخصومات ، يجب أن يكون التحاكم فيه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأن لا يوثر على حكومته حكومة غيره. كقوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [النساء : ٥٩] ، وتدل أيضا على الرجوع إلى المحكم من كتاب الله ، والظاهر من سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذا اختلفوا في تأويل آية واشتبه عليهم. وعلى تفويض ما لم تصل إلي دركه العقول ، إلى الله تعالى ، بأن يقال : الله أعلم. كما في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥]. وقوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) بتقدير (قل) أو هو حكاية لقوله صلىاللهعليهوسلم. أي الذي هذه الصفات صفاته ، ربي لا آلهتكم التي تدعون من دونه ، التي لا تقدر على شيء (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي في أموري كلها (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي أرجع في المعاد ، أو من الذنوب ، أو في الأمور المعضلة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١١)
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي من جنسكم (أَزْواجاً) أي نساء (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي أصنافا مختلفة ، أو ذكورا وإناثا (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي يكثركم. من (الذرء) وهو البث. يقال : ذرأ الله الخلق. بثهم كثّرهم. وفسر بـ (يخلقكم). وضمير (فيه) للبطن أو الرحم. وقال الزمخشريّ : أي في هذا التدبير ، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا ، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل. والضمير في (يَذْرَؤُكُمْ) يرجع إلى المخاطبين والأنعام ، مغلبا فيه المخاطبون العقلاء