اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أي حينما دعاهم إلى توحيده ، والبراءة من عبادة غيره (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أي لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه. وذلك من فرط تدبّرهم وتيقظهم ، وصدق تآخيهم في إيمانهم وتحابّهم في الله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي فيؤدّون ما فرض عليهم من الحقوق لأهلها ، من زكاة ونفقة. وما ندبوا إليه من مواساة وصدقة ومعونة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (٣٩)
(وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أي بالعدالة. احترازا عن الذلة والانظلام ، لكونهم في مقام الاستقامة ، قائمين بالحق والعدل الذي ظلّه في نفوسهم. قاله القاشاني. وقال ابن جرير : اختلف أهل التأويل في الباغي الذي حمد تعالى ذكره ، المنتصر منه بعد بغيه عليه. فقال بعضهم : هو المشرك إذا بغى على المسلم. وقال آخرون : بل هو كل باغ بغى فحمد المنتصر منه. وإليه ذهب السّدّي حيث قال : ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا.
قال ابن جرير : وهذا القول الثاني أولى من ذلك بالصواب. لأن الله لم يخصص من ذلك معنى دون معنى. بل حمد كل منتصر بحقّ ممن بغى عليه .. فإن قال قائل : وما في الانتصار من المدح؟ قيل : إن في إقامة الظالم على سبيل الحق ، وعقوبته بما هو له أهل ، تقويما له. وفي ذلك أعظم المدح. انتهى. وكذا قال الزمخشري. فإن قلت : أهم محمودون في الانتصار؟ قلت : نعم. لأن من أخذ حقه غير متعد حد الله وما أمر به فلم يسرف في القتل ، إن كان وليّ دم ، أو ردّ على سفيه محاماة على عرضه وردعا له ، فهو مطيع. وكل مطيع محمود. قال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفسّاق. ثم أشار تعالى إلى أن الانتصار يجب أن يكون مقيدا بالمثل ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٢)
(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) أي وجزاء سيئة المسيء ما ماثلها. إذ النقصان