منصب النبوة ، وإنما الذي يدل عدمه على عدم النبوة ، التقوى. فالنبوة إنما تكون لمن كمل تقواه. سواء كانت عنده الدنيا أم لا. وإنما كانت الزينة الدنيوية أحق بالكفار ، لأنها تثير ظلمة الأهوية المانعة من رؤية الحق. بحيث يصير صاحبها أعشى. انتهى.
تنبيه :
ما قدمناه من أن معنى (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) على تقدير (لو لا كراهة ذلك) وأن معنى كونهم أمة واحدة اجتماعهم على أمر واحد وهو الكفر ، أي أن كراهة الاجتماع على الكفر هي المانعة من تمتيع الكافر بها على الوجه المذكور ـ هو ما ذكره المفسرون. فورد عليه أنه حين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدي إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها ، فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟ فأجيب بأن التوسعة عليهم مفسدة أيضا ، لما تؤدي إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا. والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين فكانت الحكمة فيما دبر حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء. وغلب الفقر على الغنى. هذا ما قاله الزمخشري.
وعندي أن لا حاجة لتقدير الكراهة. وأن معنى الآية غير ما ذكروه. وذلك أن المعنى : لو لا أن يكونوا خلقوا ليكونوا أمة واحدة ، للترافد والتعاون والتضامّ ، وما به قوام حياتهم كالجسم الواحد ، لجعلنا للناس ما ذكر من الزين والحليّ لدخوله تحت القدرة الكاملة. إلا أن ذلك مبطل للحكمة ومخرب لنظام الوجود. وإنما عبّر عن الناس بمن يكفر بالرحمن ، رعاية للأكثر وهم الكفار ؛ فإنهم الذين طبقوا ظهر الأرض وملأوا وجهها. وحطّا لقدر الدنيا وتصغيرا لشأنها ، بأن تؤتى لمن هو الأدنى منزلة. والأخس قدرا. وخلاصة المعنى : أن خلقهم أمة واحدة مدنيين بالطبع ، مانع من بسط الدنيا عليهم جميعهم. وهذا هو معنى (لو لا) المطرد ، أن ما بعدها أبدا مانع من جوابها. ولذلك يقولون (حرف امتناع لوجود).
فليس المعنى على ما ذكروه أبدا كما يظهر واضحا لمن أنعم النظر. وبالجملة ، فالآية هذه تتمة لما قبلها ، في جواب أولئك الظانين ، أن العظمة الدنيوية تستتبع النبوة. فبين تعالى حكمته في تفاوت الخلق في الآية الأولى. وهي التسخير. وفي الثانية حقارة الدنيا عنده وأنه لو لا التسخير لآتاها أحط الخلق وأبعدهم منه ، مبالغة