مُصَدِّقٌ) أي : لكتاب موسى من غير تعلم من أنزل عليه إياه (لِساناً عَرَبِيًّا) أي : بيّنا واضحا. وفي تقييد الكتاب بذلك ، مع أن عربيته أمر معلوم الدلالة ، على أن تصديقه لها باتحاد معناه معها ، وهي غير عربية. ومثله لا يكون ممن يعرف ذلك اللسان بغير وحي من الله تعالى. (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٤)
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) أي : لا غيره. (ثُمَّ اسْتَقامُوا) أي : على العمل الصالح. قال القاضي : أي جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم ، والاستقامة في الأمور ، التي هي منتهى العمل. و (ثُمَ) للدلالة على تأخير رتبة العمل ، وتوقف اعتباره على التوحيد (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي : من هول يوم القيامة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي : لا يحزنهم الفزع الأكبر. (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١٥)
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) وقرئ (حسنا) وهذا تمهيد لمن عقهما وعصاهما في الإيمان المذكور ، في قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) [الأحقاف : ١٧] الآية.
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) أي : ذات كره ، أو حملا ذا كره ، وهو المشقة. (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) أي : حمله جنينا في بطنها ، وفطامه من الرضاع (ثَلاثُونَ شَهْراً) أي : تمضي عليها بمعاناة المشاق ، ومقاساة الشدائد لأجله ، مما يوجب للأم مزيد العناية ، وأكيد الرعاية. لا يقال : بقي ثلاثة أشهر ، لأن أمد الرضاع حولان ، لأنا نقول : إن الحولين أمد من أراد تمام الأجل ، وإلا فأصله أقل منهما ، كما ينبئ عنه