(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ) يعني هودا (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) جمع حقف ، وهو الرمل المستطيل المرتفع. قال قتادة ذكر لنا أن عادا كانوا حيّا باليمن ، أهل رمل ، مشرفين على البحر. (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) أي : وقد مضت الرسل بإنذار أممها قبله وبعده ، متفقين على (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي لا تشركوا مع الله شيئا في عبادتكم إياه. وقال كل واحد منهم عليهالسلام (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) أي من عبادة غير الله (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي بمقدار هتكهم ، عذاب الله بالشرك.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٢٣)
(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) أي لتصرفنا (عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) أي من العذاب على عبادتنا إياها (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي في وعدك أنه آت لا محالة. (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) أي إني وإن علمت إتيانه قطعا ، فلا أعلم وقت مجيئه ، لأن العلم بوقته عنده تعالى ، فيأتيكم به في وقته الذي قدره له (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ). قال الطبريّ : أي مواضع حظوظ أنفسكم ، فلا تعرفون ما عليها من المضرّة بعبادتكم غير الله ، وفي استعجال عذابه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥)
(فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) أي فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه ، فرأوه عارضا في ناحية من نواحي السماء ، متجها نحو مزارعهم (قالُوا هذا عارِضٌ) أي سحاب عارض (مُمْطِرُنا) أي بغيث نحيا به (بَلْ هُوَ) أي قال هود بل هو (مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي من العذاب (رِيحٌ) أي هي ريح. أو بدل من (ما) ، (فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ، تُدَمِّرُ) أي تهلك (كُلَّ شَيْءٍ) أي من أموالهم وأنفسهم (بِأَمْرِ رَبِّها) أي إذنه الذي لا يعارض ، فلم تدفع عنهم آلهتهم ، بل دمّرتهم (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) أي بيوتهم.