قال : فضحك النبيّ صلىاللهعليهوسلم حتى بدت نواجذه ، وقال لي : أفلحت يا سواد! فقال له عمر رضي الله عنه : هل يأتيك رئيّك الآن؟ فقال : منذ قرأت القرآن لم يأتني ، ونعم العوض كتاب الله عزوجل من الجن. ثم أسنده البيهقيّ من وجهين آخرين. انتهى كلام ابن كثير.
وقد ساقه الإمام الماورديّ في (أعلام النبوة) مع نظائر له ، في الباب السادس عشر ، في هتوف الجن ، ثم قال : ولئن كانت هذه الهتوف أخبار آحاد ، عمن لا يرى شخصه ، ولا يحج قوله ، فخروجه عن العادة نذير ، وتأثيره في النفوس بشير ، وقد قبلها السامعون. وقبول الأخبار يؤكد صحتها ، ويؤيد حجتها. فإن قيل : إن كانت هتوف الجن من دلائل النبوة ، جاز أن تكون دليلا على صحة الكهانة ، فعنه جوابان :
أحدهما : أن دلائل النبوة غيرها ، وإنما هي من البشائر بها ، وفرق بين الدلالة والبشارة إخبارا.
والثاني : أن الكهانة عن مغيّب ، والبشارة عن معين ، فالعيان معلوم ، والغائب موهوم. انتهى.
التنبيه الثاني :
قال الماورديّ : في صرف الجن المذكور في قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٩] ، وجهان :
أحدهما ـ أنهم صرفوا عن استراق سمع السماء ، برجوم الشهب ، ولم يصرفوا عنه بعد عيسى إلا بعد بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ما هذا الحادث في السماء ، إلا لحادث في الأرض ، وتخيلوا به تجديد النبوة ، فجابوا الأرض ، حتى وقفوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببطن مكة عامدا إلى عكاظ ، وهو يصلي الفجر ، فاستمعوا القرآن ، ورأوه كيف يصلي ويقتدي به أصحابه ، فعلموا أنه لهذا الحادث ، صرفوا عن استراق السمع برجوم الشهب. وهذا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
أقول : وعليه فتكون (إلى) في (إليك) بمعنى لام التعليل. وذكر في (المغني) أنها تأتي مرادفة اللام ، نحو (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) [النمل : ٣٣]. وفيه تكلف وبعد ، لنبوّه عما يقتضيه سياق بقية الآية.
ثم قال الماورديّ : وحكى عكرمة أن السورة التي كان يقرؤها (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق : ١].