أنت محرمة عليّ لا تركبين كما لا تركب الأم. كذا في (الكشف).
وقوله تعالى (ذلِكُمْ) إشارة إلى كل ما ذكر. أي من كونه ليس لأحد قلبان ، وليست الأزواج أمهات ، ولا الأدعياء أبناء. أو إلى الأخير فقط وهو الدعوة (قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) أي لا حقيقة له فلا يقتضي دعواكم ذلك ، أن يكون ابنا حقيقيا. فإنه مخلوق من صلب رجل آخر فلا يمكن أن يكون له أبوان ، كما لا يمكن أن يكون لبشر واحد قلبان (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) أي الثابت المحقق في نفس الأمر (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أي سبيل الحق.
القول في تأويل قوله تعالى :
(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥)
(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) أي انسبوهم إليهم. وهو إفراد للمقصود من أقواله تعالى الحقة (هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) أي أعدل وأحكم.
قال ابن كثير : هذا الأمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام ، من جواز ادعاء الأبناء الأجانب وهم الأدعياء. فأمر تبارك وتعالى بردّ نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة. وأن هذا هو العدل والقسط والبر. روى البخاري (١) عن ابن عمر قال : «إن زيد بن حارثة رضي الله عنه ، مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ما كنا ندعوه إلا (زيد بن محمد) حتى نزل القرآن (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ)» ، وأخرجه مسلم (٢) وغيره. وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه ، في الخلوة بالمحارم وغير ذلك. ولهذا قالت سهلة (٣) بنت سهيل ، امرأة أبي حذيفة رضي الله عنها : «يا رسول الله! إنا ندعوا سالما ابنا. وإن الله قد أنزل ما أنزل. وإنه كان يدخل عليّ. وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا. فقال صلىاللهعليهوسلم : أرضعيه تحرمي عليه ..» الحديث. ولهذا لما نسخ هذا الحكم ، أباح تبارك وتعالى زوجة الدعيّ. وتزوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم بزينب بنت جحش ، مطلقة زيد بن حارثة رضي الله عنه. وقال عزوجل(لِكَيْ لا يَكُونَ
__________________
(١) أخرجه في : التفسير ، ٣٣ ـ سورة الأحزاب ، ٢ ـ باب (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) ، حديث ٢٠٣٠.
(٢) أخرجه في : فضائل الصحابة ، حديث رقم ٦٢.
(٣) أخرجه مسلم في : الرضاع ، حديث رقم ٢٦.