بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) قال ابن جرير : أي يا أيها الذين أقرّوا بوحدانية الله ، ونبوّة نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم ، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله ، فتقضوا بخلاف أمر الله ، وأمر رسوله. محكيّ عن العرب : فلان يقدم بين يدي إمامه ، بمعنى يعجل الأمر والنهي دونه. انتهى.
و (تُقَدِّمُوا) إما متعد حذف مفعوله ، لأنه أريد به العموم ، أو أنه نزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى المفعول ، كما تقول : فلان يعطي ويمنع. أو هو لازم ، فإن (قدم) يرد بمعنى (تقدم) كبيّن ، فإنه متعد ، ويكون لازما بمعنى تبيّن.
وفي هذه الجملة تجوّزان :
أحدهما ـ في (بين اليدين) ، فإن حقيقته ما بين العضوين ، فتجوز بهما عن الجهتين المقابلتين لليمين والشمال ، قريبا منه بإطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما. فهو من المجاز المرسل ، ثم استعيرت الجملة استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء ، ومتابعة لمن يلزم متابعته ، تصويرا لهجنته وشناعته ، بصورة المحسوس ، كتقدم الخادم بين يدي سيده في مسيره ، فنقلت العبارة الأولى ، بما فيها من المجاز ، إلى ما ذكر ، على ما عرف في أمثاله ـ هذا محصل ما في (الكشاف) و (شروحه).
قال ابن كثير : معنى الآية : لا تسرعوا في الأشياء قبله ، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور ، حتى يدخل في عموم هذا الأدب حديث معاذ رضي الله عنه. قال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم حين بعثه إلى اليمن : بم تحكم؟ قال : بكتاب الله تعالى. قال صلىاللهعليهوسلم : فإن لم تجد؟ قال : بسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال صلىاللهعليهوسلم : فإن لم تجد؟ قال رضي الله عنه : أجتهد