رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن فقههم قليل ، وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم ـ ونزلت هذه الآية ـ.
وقال ابن زيد : هذه الآيات نزلت في الأعراب. ولا يبعد أن يكون المحدث عنهم في آخر السورة من جفاة الأعراب ، غير المعنيّين أولها ، وإنما ضموا إليهم لاشتراكهم معهم في غلظة القول وخشونته ، ويحتمل أن يكون النبأ لقبيلة واحدة ـ والله أعلم.
الثاني ـ في قوله تعالى (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ ...) الآية ، ملاحظة المنة لله ، والفضل في الهداية ، والقيام بواجب شكرها ، والاعتراف بها ، كما قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم للأنصار يوم حنين (١) : «يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرّقين فألّفكم الله بي. وكنتم عالة فأغناكم الله بي»؟ ـ كلما قال شيئا ، قالوا : الله ورسوله أمنّ.
وما ألطف قول أبي إسحاق الصابي في طليعة كتاب له ، بعد الثناء على الله تعالى : وبعث إليهم رسلا منهم يهدونهم إلى الصراط المستقيم ، والفوز العظيم ، ويعدلون بهم عن المسلك الذميم ، والمورد الوخيم ، فكان آخرهم في الدنيا عصرا ، وأولهم يوم الدين ذكرا ، وأرجحهم عند الله ميزانا ، وأوضحهم حجة وبرهانا ، وأبعدهم في الفضل غاية ، وأبهرهم معجزة وآية ، محمد صلىاللهعليهوسلم تسليما ، الذي اتخذه صفيّا وحبيبا ، وأرسله إلى عباده بشيرا ونذيرا ، على حين ذهاب منهم مع الشيطان ، وصدوف عن الرحمن ، وتقطيع للأرحام ، وسفك للدماء الحرام ، واقتراف للجرائم ، واستحلال للمآثم. أنوفهم في المعاصي حمية ، ونفوسهم في غير ذات الله أبية ، يدعون معه الشركاء ، ويضيفون إليه الأكفاء ، ويعبدون من دونه ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا. فلم يزل صلىاللهعليهوسلم يقذف في أسماعهم فضائل الإيمان ، ويقرأ على قلوبهم قوارع القرآن ، ويدعوهم إلى عبادة الله باللطف لمّا كان وحيدا ، وبالعنف لمّا وجد أنصارا وجنودا. لا يرى للكفر أثرا إلا طمسه ومحاه ، ولا رسما إلا أزاله وعفّاه ، ولا حجة مموّهة إلا كشفها ودحضها ، ولا دعامة مرفوعة إلا حطها ووضعها ، حتى ضرب الحق بجرانه ، وصدع ببيانه ، وسطع بمصباحه ، ونصع بأوضاحه ، واستنبط
__________________
(١) أخرجه البخاري في : المغازي ، ٥٦ ـ باب غزوة الطائف ، حديث رقم ١٩٣١ ، عن عبد الله بن زيد ابن عاصم