(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) أي ما وعد الله به من نصره والشهادة على ما مضى عليه أصحابه (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) أي ما غيروا شيئا من العهد ، ولا نقضوه كنقض المنافقين في توليهم (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) [الأحزاب : ١٥] ففيه كناية تعريضية تفهم من تخصيصهم به. والتصريح بالمصدر لإفادة العموم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) (٢٥)
(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ) أي في عهودهم (بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) أي كمال غضبهم بما أرسله من الريح والجنود ، بفضله ورحمته (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) أي نصرا لا غنيمة (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) أي فلم يحوجهم إلى مبارزتهم ليجلوهم عن المدينة. بل تولى كفاية ذلك وحده. ولهذا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، فلا شيء بعده (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا) أي فلا يعارض قوته قوة شيء (عَزِيزاً) أي غالبا على أمره
(ذكر تفصيل نبأ الأحزاب المسمى بغزوة الخندق)
قال الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) : كانت غزوة الخندق في سنة خمس من الهجرة ، في شوّال على أصح القولين. إذ لا خلاف أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث ، وواعد المشركون رسول الله صلىاللهعليهوسلم في العام المقبل وهي سنة أربع. ثم أخلفوه لأجل جدب السنة ، فرجعوا. فلما كانت سنة خمس جاءوا لحربه. هذا قول أهل السير والمغازي. وخالفهم موسى بن عقبة وقال : بل كانت سنة أربع. قال أبو محمد ابن حزم : وهذا هو الصحيح الذي لا شك فيه. واحتج عليه بحديث ابن عمر في الصحيحين (١) أنه عرض على النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه. ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه. قال : وصحّ أنه لم يكن
__________________
(١) أخرجه البخاري في : المغازي ، ٢٩ ـ باب غزوة الخندق ، حديث رقم ١٢٩٥ وأخرجه مسلم في : ٣٣ ـ الإمارة ، حديث رقم ٩١.