وَإِيْضَاحُ المَرَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمْهِيْدِ كَلام ، فَنَقُولُ : لا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ المَعْنَى كُلَّيّاً ذِهْناً ، وَجُزْئِيّاً حَقِيْقِيّاً خَارِجاً ، فَيَجُوْزُ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومٌ مِنَ المَفْهُومَاتِ كُلّيّاً مِنْ جِهَةِ التَّصَوّرِ الذِّهْنِيّ ، بِمَعْنَى : حُكْمِ الذِّهْنِ بِصِحّةِ وُجُودِهِ فِي أَفْرَاد مُتَعَدِّدَة ، وَمِصْدَاقُهُ شَخْصِيّاً مِنْ جِهَةِ الخَارِجِ ، بِمَعْنَى : أَنّ ذَلِكَ المَفْهُومَ الكُلِّيَّ فِي الذِّهْنِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي نَفْسِ الأمْرِ إلاّ فِي ذَلِكَ الفَرْدِ ، وَلَمْ يُطْلَقْ إلاّ عَلْيِـهِ ، وَلا يَلْزِمُ مِـنْ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ ؛ لاخْتِلافِ الجِهَتَينِ ، وَهَـذَا مَـعَ جَوَازِهِ عَقْـلاً وَاقِعٌ فِي الاسْتِعْمَالِ ، كَمَا فِـي (شَمْس ، وقَمَـر) ، فَـإنَّ مَفْهُومَيْهِمَا الذِّهْنِيّيـنِ كُلّيّانِ باتّفَاقِ النُّحَاةِ(١) ،
وَالمَنْطِقِيّينَ(٢) ، وَغَيْـرِهِم(٣) ، وَمِصْدَاقَيْهِمَا الخَارِجِيَّينِ اللّذَينِ(٤) لا يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلاّ فِيْهِ ، وَلا يُطْلَقُ إلاّ عَلَيْهِ شَخْصِيَّانِ بِاتِّفَاق أَيْضاً.
فَقُوْلُنَا : لا مَعْبُودَ بِالحَقِّ إلاّ اللهُ ، وَإِنْ كَانَ المَعْبُودُ بِالحَقِّ ، وَاللهُ مُتّحِدَينِ فِي الخَارِجِ ؛ لِوُقُوعِهِمَا فِيْهِ عَلَى شَيء وَاحِد ، وَهُوَ الوَاجِبُ الحَقُّ ـ جَلّ اسْمُهُ ـ إلاّ أنّهُ مَفْهُومُ المُعْبُودِ بِالحَقِّ ـ هُنَا ـ أَعَمُّ مِنَ (الله) بِالنَّظَرِ إِلَى
__________________
المَعْبُودَاتِ البَاطِلَةِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ إلهَ ، بِمَعْنَى : المَعْبُودُ بِحَقّ». أي : الترديد الحاصل في التفصيل بعد (إمّا).
(١) شرح المفصّل ١/٢٧ ، وشرح الكافية ٣/١٩٨ ، ومغني اللبيب ١/٦٣ ، وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ١/١١٢ ، وشرح التصريح على التوضيح ١/١١٣ ، ومجيب الندا في شرح قطر الندى : ١٥٧ ، وحاشية الصّبّان على شرح الأشموني ١/٢١٢.
(٢) الإشارات والتنبيهات : ٤٥ ، وشروح الشمسيّة ١/٢٨٦ ، والمنطق المظفّر ١/ ٦٨ ، ونقد الآراء المنطقية : ١٧٤ ، والمنطق التقليدي : ٤٩.
(٣) كالأصوليّين ، ينظر : المنخول من تعليقات الأصول : ٢١٩ ، والإحكام في أصول الأحكام ١/٥٤.
(٤) في الأصل : (الذي).