بل هناك ملاكان آخران أوضحنا حالهما فيما مضى :
أوّلهما : كون الحكم من الأحكام الواضحة للعقل العملي.
وثانيهما : أنّه إذا كان الفعل ملائماً للفطرة والجانب المثالي منه أو منافراً ، من غير نظر إلى كونه محصلاً للغرض الشخصي كالتشفّي والانتقام ، أو المصلحة النوعية كبقاء النظام وعدمه ، فيوصف بالحسن أو القبح بمجرّد التوجه إلى الموضوع. فلاحظ ما مرّ.
والذي يدل على ذلك : أنّ الموضوع لا يختص بفعل الإنسان حتى يدور أمره بين كونه محصلاً للغرض الشخصي أو النوعي ، بل يعم فعله سبحانه الرفيع من هذه الغايات والواقع في قمة الوجود ، مثلاً يوصف تأديبه الطفل في الآخرة بكونه قبيحاً ، وليس هناك عن الانتقام ولا الاخلال بالنظام حديث ولا خبر.
والذي أوقعه فيما أوقعه ، هو اقتفاؤه أثر الشيخ الرئيس ، وجعله مسألة الحسن والقبح من المشهورات التي لا واقع له إلّا اعتراف العامة ولم يجد وجهاً لاعتراف العامة بهما ، سوى كون العدل من أسباب بقاء النظام الإنساني والعدل من منافياته.
ولا محيص للمتكلّم الإسلامي ولا الفقيه الأُصولي ، في تصحيح ما بنى على ذلك الأصل من الأحكام والأُصول من سلوك ما سلكناه وإلّا ينهدم كل ما بنى.
ثمّ إنّ شيخنا المظفر تبع ما ذكره المحقق الاصفهاني بحماس وقال : «وتسمّى هذه الأحكام العقلية العامة ، الآراء المحمودة ، والتأديبات الصلاحية وهي من قسم من القضايا المشهورات التي هي قسم برأسها ، في مقابل القضايا الضروريات فهذه القضايا غير معدودة من قسم الضروريات ـ إلى أن قال : ـ ومن هنا يتضح أنّ العدلية إذا قالوا بالحسن والقبح العقليين ، يريدون أنّ الحسن والقبح من الآراء المحمودة والقضايا المشهورة ، المعدودة من التأديبات الصلاحية وهي التي تطابقت عليها رأي العقلاء بما هم عقلاء.