نعتقد بمضمونه لاحتمال عدم صدق الشارع في أمره أو اخباره فإنّ الكذب حسب الفرض لم يثبت قبحه بعد ، حتى لو قال الشارع بأنّه لا يكذب لم يحصل لنا اليقين بصدقه حتى في هذا الإخبار. فيلزم على قول الأشعريّ أن لا يتمكن الانسان من الحكم بحسن شيء لا عقلاً ولا شرعاً.
وإن شئت قلت : لو لم يستقل العقل بحسن بعض الأفعال وقبح بعضها الآخر ، كالصدق والكذب ، وأخبرنا الله سبحانه عن طريق أنبيائه بأنّ الفعل الفلاني حسن أو قبيح لم نجزم بصدق كلامه لتجويز الكذب عليه.
الثاني : ما أشار إليه المحقّق الطوسي أيضاً بقوله : «ولجاز التعاكس» (١) أي في الحسن والقبح.
توضيحه : أنّ الشارع على القول بشرعية الحسن والقبح ، يجوز له أن يُحَسِّن أو يقبِّح ما حسَّنه العقل أو قبَّحه. وعلى هذا يلزم جواز تقبيح الإحسان وتحسين الإساءة وهو باطل بالضرورة. فإنّ وجدان كلّ إنسان يقضي بأنّه لا يصحّ أن يذم المحسن أو يمدح المسيء. قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : «ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء» (٢) والإمام يهدف بكلمته هذه إلى إيقاظ وجدان عامله ، ولا يقولها بما أنّها كلام جديد غفل عنه عامله.
الثالث : لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما البراهمة والملاحدة الذين ينكرون الشرائع ، ويحكمون بذلك مستندين إلى العقل. وهؤلاء المادّيون والملحدون المنتشرون في شرق الأرض وغربها يرفضون الشرائع والدين من أساسه ولكن يعترفون بحسن أفعال وقبح بعضها الآخر.
ولأجل ذلك يغرّون شعوب العالم بطرح مفاهيم خداعة ، بدعاياتهم الخبيثة ،
__________________
(١) كشف المراد : ١٨٦.
(٢) نهج البلاغة : قسم الرسائل برقم ٥٣.