في الدار الآخرة ، في الأحاديث الصحاح ، من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها. لحديث أبى سعيد وأبى هريرة ـ وهما في الصحيحين ـ أن ناسا قالوا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال : «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب» قالوا : لا ، قال : «فإنكم ترون ربكم كذلك».
وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال : نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : «إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر».
ثم قال ابن كثير ـ رحمهالله ـ : وهذا ـ بحمد الله ـ مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة. كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام ، وهداة الأنام.
ومن تأول (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فقال : تنتظر الثواب من ربها .. فقد أبعد هذا القائل النجعة ، وأبطل فيما ذهب إليه. وأين هو من قوله ـ تعالى ـ (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ).
قال الشافعى : ما حجب الفجار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه ـ عزوجل ـ .. (١).
ثم زجر ـ سبحانه ـ الذين يكذبون بيوم الدين ، ويؤثرون العاجلة على الآجلة ، زجرهم بلون آخر من ألوان الردع والزجر ، حيث ذكرهم بأحوالهم الأليمة عند ما يودعون هذه الدنيا فقال : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ. وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ).
والضمير في (بَلَغَتِ) يعود إلى الروح المعلومة من المقام. كما في قوله ـ تعالى ـ (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ..) ومنه قول الشاعر :
أماوى ما يغنى الثراء عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر |
والتراقي : جمع ترقوة ، وهي العظام المحيطة بأعالى الصدر عن يمينه ، وعن شماله ، وهي موضع الحشرجة ، وجواب الشرط محذوف.
أى : حتى إذا بلغت روح الإنسان التراقي ، وأوشكت أن تفارق صاحبها .. وجد كل إنسان ثمار عمله الذي عمله في دنياه ، وانكشفت له حقيقة عاقبته.
والمقصود من الآية الكريمة وما بعدها : الزجر عن إيثار العاجلة على الآجلة. فكأنه ـ تعالى ـ يقول : احذروا ـ أيها الناس ـ ذلك قبل أن يفاجئكم الموت ، وقبل أن تبلغ أرواحكم نهايتها ، وتنقطع عند ذلك آمالكم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) بيان لما يقوله أحباب الإنسان الذي بلغت
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٣٠٥.