أى : وإنك ـ أيها الرسول الكريم ـ لعلى دين عظيم ، وعلى خلق كريم ، وعلى سلوك قويم ، في كل ما تأتيه وما تتركه من أقوال وأفعال ..
والتعبير بلفظ «على» يشعر بتمكنه صلىاللهعليهوسلم ورسوخه في كل خلق كريم. وهذا أبلغ رد على أولئك الجاهلين الذين وصفوه بالجنون ، لأن الجنون سفه لا يحسن معه التصرف. أما الخلق العظيم ، فهو أرقى منازل الكمال ، في عظماء الرجال.
وإن القلم ليعجز عن بيان ما اشتملت عليه هذه الآية الكريمة ، من ثناء من الله ـ تعالى ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : قال قتادة : ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل السيدة عائشة عن معنى هذه الآية فقالت : ألست تقرأ القرآن؟ قال : بلى. قالت : فإن خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان القرآن ..
ومعنى هذا ، أنه صلىاللهعليهوسلم صار امتثال القرآن أمرا ونهيا ، سجية له وخلقا وطبعا ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه ، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق الكريم ، كالحكمة ، والعفة ، والشجاعة ، والعدالة .. (١).
وكيف لا يكون صلىاللهعليهوسلم جماع كل خلق عظيم وهو القائل : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
ثم بشره ـ سبحانه ـ ببشارات أخرى فقال : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ. بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
والفاء في قوله : (فَسَتُبْصِرُ ...) للتفريع على ما تقدم من قوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ).
والفعل «تبصر ويبصرون» من الإبصار الذي هو الرؤية بالعينين ، وقيل : بمعنى العلم .. والسين في (فَسَتُبْصِرُ ...) للتأكيد.
والباء في قوله (بِأَيِّكُمُ ...) يرى بعضهم أنها بمعنى في. والمفتون : اسم مفعول ، وهو الذي أصابته فتنة. أدت إلى جنونه ، والعرب كانوا يقولون للمجنون : فتنته الجن. أو هو الذي اضطرب أمره واختل تكوينه وضعف تفكيره ... كأولئك المشركين الذين قالوا في النبي صلىاللهعليهوسلم أقوالا لا يقولها عاقل ..
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٣١٢.