وتنكير لفظ (طائِفٌ) للتهويل. و (مِنْ) في قوله (مِنْ رَبِّكَ) للابتداء ، والتقييد بكونه من الرب ـ عزوجل ـ لإفادة أنه بلاء لا قبل لأحد من الخلق بدفعه.
قال القرطبي : في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان ، لأنهم عزموا على أن يفعلوا ، فعوقبوا قبل فعلهم. ومثله قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ). وفي الحديث الصحيح : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار. قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه» .. (١).
ثم يصور ـ سبحانه ـ أحاسيسهم وحركاتهم ، وقد خرجوا لينفذوا ما عزموا عليه من سوء .. فيقول : (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) أى : فنادى بعضهم بعضا في وقت الصباح المبكر ، حتى لا يراهم أحد.
فقالوا في تناديهم : (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) أى : قال بعضهم لبعض : هيا بنا لنذهب إلى بستاننا لكي نقطع ما فيه من ثمار في هذا الوقت المبكر ، حتى لا يرانا أحد ، إذ الغدو هو الخروج إلى المكان في غدوة النهار. أى : في أوله.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : اغدوا إلى حرثكم ، وما معنى «على»؟.
قلت : لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه : كان غدوا عليه ، كما تقول : غدا عليهم العدو. ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال ، كقولهم : يغدى عليه بالجفنة ويراح. أى : فأقبلوا على حرثكم باكرين .. (٢).
وجواب الشرط في قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) محذوف لدلالة ما قبله عليه. أى : إن كنتم صارمين فاغدوا (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) أى : فانطلقوا مسرعين نحو جنتهم وهم يتسارّون فيما بينهم ، إذ التخافت : تفاعل من خفت فلان في كلامه ، إذا نطق به بصوت منخفض لا يكاد يسمع.
وجملة : (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) مفسرة لما قبلها لأن التخافت فيه معنى القول دون حروفه أى : انطلقوا يتخافتون وهم يقولون فيما بينهم : احذروا أن يدخل جنتكم اليوم وأنتم تقطعون ثمارها أحد من المساكين.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٤١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٩٠.