(وَلا تَكُنْ) ـ أيها الرسول الكريم ـ (كَصاحِبِ الْحُوتِ) وهو يونس ـ عليهالسلام ـ.
أى : لا يوجد منك ما وجد منه ، من الضجر ، والغضب على قومه الذين لم يؤمنوا ، ففارقهم دون أن يأذن له ربه بمفارقتهم ..
والظرف في قوله : (إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) منصوب بمضاف محذوف ، وجملة «وهو مكظوم» في محل نصب على الحال من فاعل «نادى» ..
والمكظوم ـ بزنة مفعول ـ : المملوء غضبا وغيظا وكربا ، مأخوذ من كظم فلان السقاء إذا ملأه ، وكظم الغيظ إذا حبسه وهو ممتلئ به.
أى : لا يكن حالك كحال صاحب الحوت ، وقت ندائه لربه ـ عزوجل ـ وهو مملوء غيظا وكربا ، لما حدث له مع قومه. ولما أصابه من بلاء وهو في بطن الحوت.
وهذا النداء قد أشار إليه ـ سبحانه ـ في آيات منها قوله ـ تعالى ـ : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ..) استئناف لبيان جانب من فضله ـ تعالى ـ على عبده يونس ـ عليهالسلام ـ.
و (لَوْ لا) هنا حرف امتناع لوجود ، و (أَنْ) يجوز أن تكون مخففة من (أَنْ) الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وهو ومحذوف ، وجملة (تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) خبرها.
ويجوز أن تكون مصدرية. أى : لولا تدارك رحمة من ربه.
والتدارك : تفاعل من الدرك ـ بفتح الدال ـ بمعنى اللحاق بالغير. والمقصود به هنا : المبالغة في إدراك رحمة الله ـ تعالى ـ لعبده يونس ـ عليهالسلام ـ.
قال الجمل : قرأ العامة : (تَدارَكَهُ) ، وهو فعل ماضى مذكر ، حمل على معنى النعمة ، لأن تأنيثها غير حقيقى ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود : تداركته ـ على لفظ النعمة ـ وهو خلاف المرسوم .. (٢).
والمراد بالنعمة : رحمته ـ سبحانه ـ بيونس ـ عليهالسلام ـ وقبول توبته ، وإجابة دعائه ..
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ٨٧ ، ٨٨.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٩١.