لم يملّ عليه (وَلا شَهِيدٌ) فيشهد بما لم يستشهد. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ) الآية ، قال : من كان على سفر فبايع بيعا إلى أجل فلم يجد كاتبا فرخص له في الرهان المقبوضة ، وليس له إن وجد كاتبا أن يرتهن. وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لا يكون الرهن إلا في السفر. وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لا يكون الرهن إلا مقبوضا. وأخرج البخاري في تاريخه ، وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن ماجة ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) حتى بلغ (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) قال : هذه نسخت ما قبلها. وأقول : رضي الله عن هذا الصحابي الجليل ، ليس هذا من باب النسخ ، فهذا مقيد بالائتمان ، وما قبله ثابت محكم لم ينسخ وهو مع عدم الائتمان. وأخرج ابن جرير عن السديّ في قوله : (آثِمٌ قَلْبُهُ) قال : فاجر قلبه. وأخرج ابن جرير بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب : أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين. وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن شهاب قال : آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين.
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤))
قوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) قد تقدّم تفسيره. قوله : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) إلى آخر الآية ، ظاهره : أن الله يحاسب العباد على ما أضمرته أنفسهم أو أظهرته من الأمور التي يحاسب عليها ، فيغفر لمن يشاء منهم ما يغفره منها ، ويعذب من يشاء منهم بما أسرّ أو أظهر منها ، هذا معنى الآية على مقتضى اللغة العربية. وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية على أقوال : الأول : أنها وإن كانت عامة ، فهي مخصوصة بكتمان الشهادة ، وأن الكاتم للشهادة يحاسب على كتمه سواء أظهر للناس أنه كاتم للشهادة أو لم يظهر. وقد روي هذا عن ابن عباس ، وعكرمة ، والشعبي ومجاهد ، وهو مردود بما في الآية من عموم اللفظ ، ولا يصلح ما تقدم قبل هذه الآية من النهي عن كتم الشهادة أن تكون مختصة به. والقول الثاني : أن ما في الآية مختص بما يطرأ على النفوس من الأمور التي هي بين الشك واليقين ، قاله مجاهد ، وهو أيضا تخصيص بلا مخصص. والقول الثالث : أنها محكمة عامة ، ولكن العذاب على ما في النفس يختص بالكفار والمنافقين. حكاه الطبري عن قوم ، وهو أيضا تخصيص بلا مخصص ، فإن قوله : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) لا يختص ببعض معين إلا بدليل. والقول الرابع : أن هذه الآية منسوخة ، قاله ابن مسعود ، وعائشة ، وأبو هريرة ، والشعبي ، وعطاء ، ومحمد بن سيرين ، ومحمد بن كعب ، وموسى بن عبيدة ، وهو مرويّ عن ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين ، وهذا هو الحق لما سيأتي من التصريح بنسخها ، ولما ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله غفر لهذه الأمّة ما حدّثت به أنفسها». قوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) قدم الجار والمجرور على الفاعل لإظهار العناية به ، وقدم الإبداء على الإخفاء ، لأن الأصل في الأمور التي يحاسب عليها هو الأعمال البادية ،