إلى كذا ، يؤول إليه ، أي : صار ، وأوّلته تأويلا ، أي : صيرته ، وهذه الجملة حالية ، أي : يتبعون المتشابه لابتغاء تأويله ، والحال أن ما يعلم تأويله إلّا الله. وقد اختلف أهل العلم في قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) هل هو كلام مقطوع عما قبله أو معطوف على ما قبله؟ فتكون الواو للجمع ، فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع عما قبله ، وأن الكلام تمّ عند قوله : (إِلَّا اللهُ) هذا قول ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وعروة بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبي الشعثاء ، وأبي نهيك ، وغيرهم ، وهو مذهب الكسائي ، والفراء ، والأخفش ، وأبي عبيد ، وحكاه ابن جرير الطبري عن مالك ، واختاره ، وحكاه الخطابي عن ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، قال : وإنّما روي عن مجاهد أنه نسق الراسخين على ما قبله ، وزعم أنهم يعلمونه ، قال : واحتج له بعض أهل اللغة ، فقال : معناه والراسخون في العلم يعلمونه قائلين : (آمَنَّا بِهِ) وزعم أن موضع (يَقُولُونَ) : نصب على الحال ، وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه ، لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ، ولا تذكر حالا إلّا مع ظهور الفعل ، فإذا لم يظهر فعل لم يكن حالا ، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال عبد الله راكبا ، يعني أقبل عبد الله راكبا ، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله : عبد الله يتكلم يصلح بين الناس ، فكان يصلح حالا كقول الشاعر : أنشدنيه أبو عمرو. قال : أنشدنا أبو العباس ثعلب :
أرسلت فيها رجلا (١) لكالكا |
|
يقصر يمشي ويطول باركا |
فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده. وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه ، فيكون له في ذلك شريك ، ألا ترى قوله عزوجل : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (٢) ، وقوله : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) (٣) ، وقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٤) فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه به لا يشركه فيه غيره ، وكذلك قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) ولو كانت الواو في قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) للنسق لم يكن لقوله : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) فائدة. انتهى. قال القرطبي : ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره. فقد روي عن ابن عباس : أن الراسخين معطوف على اسم الله عزوجل ، وأنهم داخلون في علم المتشابه ، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به. وقاله الربيع ، ومحمد بن جعفر بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وغيرهم. و (يَقُولُونَ) على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخون كما قال :
الرّيح تبكي شجوها |
|
والبرق يلمع في الغمامه |
وهذا البيت يحتمل المعنيين ، فيجوز أن يكون : والبرق : مبتدأ ، والخبر : يلمع ، على التأويل الأوّل فيكون مقطوعا مما قبله ، ويجوز أن يكون معطوفا على الريح ، ويلمع : في موضع الحال على التأويل الثاني ، أي : لامعا. انتهى. ولا يخفاك أن ما قاله الخطابي في وجه امتناع كون قوله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) حالا : من
__________________
(١). في اللسان وشرح القاموس «قطما» وهو الغضبان ، والفحل الصئول. و «اللّكالك» الجمل الضخم المرمي باللحم.
(٢). النمل : ٦٥.
(٣). الأعراف : ١٨٧.
(٤). القصص : ٨٨.