كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣))
المراد بالذين كفروا : جنس الكفرة ، وقيل : وفد نجران ، وقيل : قريظة ؛ وقيل : النضير ؛ وقيل : مشركو العرب. وقرأ السلمي : لن يغني بالتحتية ، وقرأ الحسن : بسكون الياء الآخرة تخفيفا. قوله : (مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : من عذابه شيئا من الإغناء ؛ وقيل : إن كلمة : من ، بمعنى عند ، أي : لا تغني عند الله شيئا ، قاله أبو عبيد ؛ وقيل : هي بمعنى بدل. والمعنى : بدل رحمة الله ، وهو بعيد. قوله : (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) الوقود : اسم للحطب وقد تقدم الكلام عليه في سورة البقرة. أي : هم حطب جهنم الذي تسعر به ، وهم : مبتدأ ، ووقود : خبره ، والجملة : خبر أولئك ، أو هم : ضمير فصل ، وعلى التقديرين : فالجملة مستأنفة ، مقرّرة لقوله : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) الآية. وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وطلحة بن مصرف وقود بضم الواو وهو مصدر ، وكذلك الوقود بفتح الواو في قراءة الجمهور يحتمل أن يكون اسما للحطب كما تقدم ، فلا يحتاج إلى تقدير ، ويحتمل أن يكون مصدرا ، لأنه من المصادر التي تأتي على وزن الفعول فتحتاج إلى تقدير : أي هم أهل وقود النار. قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) الدأب : الاجتهاد ، يقال : دأب الرجل في عمله ، يدأب ، دأبا ، ودؤوبا : إذا جدّ واجتهد ، والدائبان : الليل والنهار ، والدأب : العادة والشأن ، ومنه قول امرئ القيس :
كدأبك من أمّ الحويرث قبلها |
|
وجارتها أمّ الرّباب بمأسل |
والمراد هنا : كعادة آل فرعون وشأنهم وحالهم ، واختلفوا في الكاف ، فقيل : هي في موضع رفع ، تقديره : دأبهم كدأب آل فرعون مع موسى. وقال الفراء : إن المعنى : كفرت العرب ككفر آل فرعون. قال النحاس : لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا ، لأن كفروا داخلة في الصلة ؛ وقيل : هي متعلقة بأخذهم الله ، أي : أخذهم أخذة كما أخذ آل فرعون ؛ وقيل : هي متعلقة بلن تغني ، أي : لم تغن عنهم غناء ، كما لم تغن عن آل فرعون ، وقيل : إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود ، ويكون التشبيه في نفس الإحراق. قالوا : ويؤيده قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (١). (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) ، والقول الأوّل : هو الذي قاله جمهور المحققين ، ومنهم الأزهري. قوله : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة ، أي : وكدأب الذين من قبلهم. قوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ) يحتمل : أن يريد الآيات المتلوّة ، ويحتمل : أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية ، ويصح إرادة الجميع. والجملة : بيان تفسير لدأبهم ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من آل فرعون والذين من قبلهم ، على إضمار قد ، أي : دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا إلخ. وقوله : (بِذُنُوبِهِمْ) أي : بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم. قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قيل : هم اليهود ؛ وقيل : هم مشركو مكة ،
__________________
(١). غافر : ٤٦ ، وتمامها (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ).