وسيأتي بيان سبب نزول الآية. وقوله : (سَتُغْلَبُونَ) قرئ : بالفوقية ، والتحتية ، وكذلك : (تُحْشَرُونَ). وقد صدق الله وعده بقتل بني قريظة ، وإجلاء بني النضير ، وفتح خيبر ، وضرب الجزية على سائر اليهود ، ولله الحمد. قوله : (وَبِئْسَ الْمِهادُ) يحتمل : أن يكون من تمام القول الذي أمر الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقوله لهم ، ويحتمل : أن تكون الجملة مستأنفة تهويلا وتفظيعا. قوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) أي : علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم ، وهذه الجملة : جواب قسم محذوف ، وهي من تمام القول المأمور به لتقرير مضمون ما قبله ، ولم يقل : كانت ، لأن التأنيث غير حقيقي. وقال الفراء : إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الاسم بقوله : (لَكُمْ). والمراد بالفئتين : المسلمون ، والمشركون لما التقوا يوم بدر. قوله : (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) قراءة الجمهور : برفع فئة. وقرأ الحسن ، ومجاهد : «فئة» و «كافرة» بالخفض ، فالرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف ، أي : إحداهما فئة. وقوله : (تُقاتِلُ) في محل رفع على الصفة ، والجرّ على البدل من قوله : (فِئَتَيْنِ). وقوله : (وَأُخْرى) أي : وفئة أخرى كافرة. وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما. قال ثعلب : هو على الحال ، أي : التقتا مختلفتين ، مؤمنة وكافرة. وقال الزجاج : النصب بتقدير أعني ؛ وسميت الجماعة من الناس : فئة ، لأنه يفاء إليها ؛ أي : يرجع في وقت الشدة. وقال الزجاج : الفئة : الفرقة ، مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف ، إذا قطعته ، ولا خلاف أن المراد بالفئتين هما المقتتلتان في يوم بدر ، وإنما وقع الخلاف في المخاطب بهذا الخطاب ؛ فقيل : المخاطب بها المؤمنون ؛ وقيل : اليهود. وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت نفوسهم وتشجيعها ، وفائدته إذا كان مع اليهود عكس الفائدة المقصودة بخطاب المسلمين. قوله : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) قال أبو علي الفارسي : الرؤية في هذه الآية رؤية العين ، ولذلك تعدت إلى مفعول واحد ، ويدل عليه قوله : (رَأْيَ الْعَيْنِ) والمراد : أنه يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين ، أو مثلي عدد المسلمين ، وهذا على قراءة الجمهور : بالياء التحتية ، وقرأ نافع : بالفوقية. وقوله : (مِثْلَيْهِمْ) منتصب على الحال. وقد ذهب الجمهور إلى أن فاعل ترون هم : المؤمنون ، والمفعول هم : الكفار. والضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين ، أي : ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد ، وفيه بعد أن يكثر الله المشركين في أعين المؤمنين. وقد أخبرنا : أنه قللهم في أعين المؤمنين ، فيكون المعنى : ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مثلي عدتهم لتقوى أنفسهم. وقد كانوا أعلموا أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ، ويحتمل أن يكون الضمير في مثليهم للمسلمين ، أي : ترون أيها المسلمون أنفسكم مثلي ما أنتم عليه من العدد لتقوى بذلك أنفسكم ، وقد قال من ذهب إلى التفسير الأوّل : أعني : أن فاعل الرؤية المشركون ، وأنهم رأوا المسلمين مثلي عددهم ؛ أنه لا يناقض هذا ما في سورة الأنفال من قوله تعالى : (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) (١) بل قللوا أوّلا في أعينهم ليلاقوهم ويجترئوا عليهم ، فلمّا لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا. قوله : (رَأْيَ الْعَيْنِ) مصدر مؤكد لقوله : (تَرَوْنَهُمْ) أي : رؤية ظاهرة مكشوفة ، لا لبس فيها (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) أي : يقوّي من يشاء أن يقويه ، ومن جملة ذلك تأييد أهل بدر بتلك الرؤية ، (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : في
__________________
(١). الأنفال : ٤.