رؤية القليل كثيرا (لَعِبْرَةً) فعلة من العبور ، كالجلسة من الجلوس. والمراد الاتعاظ ، والتنكير للتعظيم ، أي : عبرة عظيمة ، وموعظة جسيمة.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) قال : كصنيع آل فرعون. وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ عنه قال : كفعل. وأخرج مثله أبو الشيخ عن مجاهد. وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : كسنتهم. وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع قال : يا معشر يهود! أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشا ، قالوا : يا محمد! لا يغرنّك من نفسك أن قتلت نفرا كانوا غمارا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا ، فأنزل الله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) إلى قوله : (لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١). وأخرج ابن جرير ، وابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن عاصم بن عمر عن قتادة مثله. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن عكرمة قال : قال فنحاص اليهودي ، وذكر نحوه. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) : عبرة وتفكر. وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببدر (وَأُخْرى كافِرَةٌ) فئة قريش الكفار. وأخرج عبد الرزاق أن هذه الآية نزلت في أهل بدر. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) يقول : قد كان لكم في هؤلاء عبرة وتفكر ، أيدهم الله ، ونصرهم على عدوهم يوم بدر ، كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلا ، وكان أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال : هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية : قال : أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وكان المشركون مثليهم ستّمائة وستة وعشرين فأيّد الله المؤمنين.
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧))
قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) إلخ : كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس في هذه الدار ، والمزين : قيل : هو الله سبحانه ، وبه قال عمر ، كما حكاه عنه البخاري وغيره ، ويؤيده قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا ما
__________________
(١). آل عمران : ١٢ ـ ١٣.