توعدهم وهددهم ، حيث قال : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [المائدة : ٧٣] ، وهذا الرد فى هاتين الآيتين هو عين الحقيقة ، ونفس الصواب ، لو كان لهم عقول تفكر ، وقلوب تسمع وتتدبر.
حقيقة المسيح وأمه :
ولكن الله تعالى ، وهو الرحيم بخلقه ، الرءوف بعباده ، يزيد الأمر إيضاحا ، وتأكيدا ، وكشفا ، وتبيانا ، فيلزمهم برد واقعى محسوس لا يقدرون على الفكاك منه ، ولا يستطيعون أن يخرجوا من دائرته إلى دائرة الوهم والباطل ، وهذا هو ما جاء بعد ذلك من الآيتين الكريمتين وهما : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [المائدة : ٧٥ ، ٧٦].
قوله تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ، أى ليس هو بإله كالرسل الذين مضوا لم يكونوا آلهة ، وما من خارق إلا وقد كان مثله أو أعجب منه لمن كان قبله ، فإن كان الله قد أحيا الموتى على يده ، فقد أحيا العصا ، وجعلها حية تسعى على يد موسى ، وهو أعجب ، وإن كان قد خلقه من غير أب ، فقد خلق آدم من غير أب وأم ، وهو أغرب.
(وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) ، أى بليغة الصدق فى نفسها كسائر النساء اللاتى يلازمن الصدق فى الأقوال والأفعال فى المعاملة مع الخلق ، وصدق الأفعال والأقوال فى المعاملة مع الخالق لا يصدر منهن ما يكذب دعوى العبودية والطاعة ، فإن من كان مجتهدا فى إقامة وظائف العبودية وملازمة الإنابة والطاعة يسمى صديقا أو صديقة ، تصدق الأنبياء ، كما قال تعالى فى وصفها : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) [التحريم : ١٢].
قال بعض العلماء : وهذه الآية من أدلة من قال : إن مريم ، عليهاالسلام ، لم تكن نبية ، فإنه تعالى ذكر أشرف صفاتها فى معرض الرد على من قال بإلهيتهما إشارة إلى ما هو الحق فى اعتقاد ما لها من أعلى الصفات ، فإن أعظم صفات عيسى ، عليهالسلام ، الرسالة ، وأكمل صفات أمه ، عليهاالسلام ، الصديقية.
ولما بين سبحانه أقصى ما لهما من الكمالات ، بين أن ذلك لا يوجب لهما الإلهية