تقرّب منه وتعرّف عليه من خلال لغته ، ولهجته ، وزيّه ، وشكله ، رآه باكستانيا ، أو هنديا ، أو تركيا ... إلخ ، لغته غير العربية ، ومع ذلك فالنطق ، والاستماع ، والفهم ، والقراءة لتلك الآيات البينات التى أوحاها الله لنبيه ، عليهالسلام ، يدل على أن الله جلت قدرته قد حفظ هذه الآيات ، ويسرها للذكر : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧] ، فقارئه لا يسأمه ، وسامعه لا يمجه ، بل تكراره يوجب زيادة محبته.
٧ ـ وكما يسر الله قراءته على الناس ، يسر علمه على قلوب قوم ، ويسر فهمه على قلوب آخرين ، فكان من الدراسات التى تفرّعت عنه ما أحاط بالحياة وما فيها من حاجيات النفوس ، وما ينتابها من مشكلات ، ولقد استطاع الفقهاء والعلماء والباحثون فى شتى المجالات ، أن يستخرجوا من كنوز هذا القرآن المحفوظ من رب العالمين ما يعالج أدواء الحياة التى تخنقها الأزمات ، فأبانوا عن شريعة الله التى يسودها اليسر ، والرفق ، والرحمة ، والتى يسهل على الناس قبولها ، وعلى العقول فهمها ، وعلى الجميع تطبيقها والعمل بها ، متى تم لهم الإيمان ، وقوى اليقين.
٨ ـ ولقد عرفت الأمم والشعوب ما فى هذا الكتاب المنزل من قبل السماء من دعوة للحق ، وشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، وإيمان بالله ، فبدأ الانكباب على دراسته ، ومعرفة أسراره ، والإلمام بجميع جوانبه ، حتى كثرت ترجمة معانيه إلى لغات أجنبية عديدة ، وتواترت الأخبار أن ترجمة معانى القرآن الكريم إلى لغات الشعوب الظامئة إلى معرفة الإسلام ، واعتناق هذا الدين ، وصلت إلى سبعمائة لغة ، وهذا من فضل الله منزله ، فقد كتب له الحفظ فى الصدور ، والاستمساك به فى العمل ، والحماية من التبديل والتحريف ، والحماية من عبث العابثين ، وحقد الحاقدين : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] ، وقال أيضا : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٧].
فالله قد كتب التيسير على نفسه والحفظ لكتابه بهذه الأساليب المؤكدة التى تنزع ما يلحق بالنفس من عدم قدرتها على الإحاطة بهذا الكتاب ، وحفظه ، وفهمه ، وإدراك ما فى جوانبه من أمور فيها صلاح الحياة والبشر ، والحاضر والمستقبل ، وفى ذلك رد على الذين نصبوا أنفسهم للتربية وتعليم شباب الأمة ، وعملوا على أن يباعدوا بين الناشئة وحفظ القرآن الكريم ، بدعوى أن الحفظ يلغى ملكة التفكير ، ويقعد بالطفل عن الفهم واستغلال الإمكانات فى البحث والإدراك.