ولو علم هؤلاء أن طريق التجربة خير طريق ، وخير دليل لإثبات صدق ما يعرض من قضايا ، والحكم عليها بالصلاحية وعدمها ، لما احتاجوا إلى تذكرة بتلك التجارب التى مرت بها شعوبنا الإسلامية فى مراحل طفولتها ، وتربية شبابها أيام أن كانوا فى حضن مدرسة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفى أيام عزة الإسلام ومنعته ، كانت التربية القرآنية من حفظ ، وفهم ، وتطبيق ، الشعلة التى أضاءت لهم طريق الحياة ، فخرّجت صحابة وتابعين ، فرسانا بالنهار ، وعبادا بالليل ، يحاربون من أجل كلمة الله ، ونشر كلمة الإسلام ، والصد لهجمات الكفار الشرسة أيام الرسول وصحابته ، وأيام الصليبيين والتتار ، لو لا هؤلاء الحفظة وما تفعله فيهم تلك الآيات البينات من الأثر النفسى والعقدى من طلب للاستشهاد فى سبيل الله ، ما كان للإسلام بقاء ، ولا للدين وجود.
وإننا لنذكر تلك الغزوة الشهيرة التى تلاقت فيها تلك الجموع الغفيرة من أعداء كلمة الله بقضها وقضيضها ، وأسلحتها وعتادها ، مع تلك الفئة التى أخلصت لله وحده ، وحملت لواء الإسلام عقيدة وسلاحا ، وكان الصراع شديدا ، والهجمة قاسية من الأعداء على صفوف المسلمين ، حتى تراجعت منهم الصفوف ، وزلزلت القلوب ، وكادت الدائرة تكون عليهم ، لو لا أن قام القائد المسلم المناضل بتذكر ما يجب أن يتذكره فى موقفه من الله ، ومن دفاعه عن كلمة الله ، فنادى فى أصحابه : يا أصحاب سورة البقرة ، النداء للقرآن ، ومن أجل القرآن ، فرجعوا جميعا إلى حومة القتال ، وكان الله منزل القرآن معهم ، فكان النصر المبين.
دعوات هدامة :
وإذا كانت الدول الحاضرة ، الغنية بمواردها ، والحافلة بعلمائها ، والمتقدمة فى مجتمعاتها ، والسباقة إلى أجواز الفضاء بسفنها ومراكبها ، قد اهتمت بلغاتها ، وأخذت منها سبيلا إلى فرض سيطرتها على غيرها من الشعوب والأمم ، فاختارت من نماذجها البشرية المتفوقة فى الشعر والأدب ما تجعله محط أنظار أطفالها وشبابها فى مراحل تكوينهم اللغوى والأدبى ، وذلك باختيار ما تراه من نماذجهم الشعرية والنثرية للدراسة والفهم والمحاكاة.
إذا كانت هذه الدول تنحو هذا النحو ، أفلا نستطيع أن نقدم لأبنائنا ذلك الأنموذج الأمثل الذى جعله الله سبحانه وتعالى نورا وهدى للقلوب والعقول فى بداية ما يتمثله الأبناء من قول وعمل؟.