وأما الجانب الآخر ، فهو ما يعرضه القرآن الكريم من هداية للخلق ، والتبصرة بالأمور ، والدعوة إلى معرفة الصالح من أمر العقيدة ، والابتعاد عن تقليد الآباء والأجداد فى الفاسد من العمل ، والقبيح من الأخلاق ، وتنزيه الله الخالق الجدير بالعبادة والطاعة عن كل شوائب الشرك.
هذه أمور فاضت بها آيات القرآن الكريم فى كل سورة ، وفى مطلع كل شمس ، وفى كل لحظة حياة تنبت نبتة من فكر ، وتظهر بارقة من أمل فى فهم جديد فى كل آيات الله الكونية والعقلية ، حتى أن الإنسان ليحار ويعجب كيف استغلقت هذه الأمور على أفهام العقلاء ، وغابت عن أبصار الرائين.
ألم يدع القرآن الكريم فى أول أمر له إلى القراءة : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : ١ ـ ٥].
دعوة إلى القراءة الواعية فى صحف الوجود ، وفى كتب العلم وأجلها القرآن ، وبغيرها لا يهتدى الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى ، ولا يتعرف على خالقه ، وربط القراءة بالقلم ، وبخلق الإنسان وتطوره حتى يكون من ذلك معرفة حقيقية بالكون وخالقه ذى الجلال والإكرام ، وربط العلم بالإيمان حتى يكون الإيمان قائما على أساس سليم لا يهتز ولا يضطرب.
جاء الأمر الإلهى : (اقْرَأْ) مرتبطا بأساس التكوين الإنسانى من علقة إلى مضغة ، إلى إنسان سوىّ بعد أن كان من تراب ، وفى ذلك دعوة للنظر إلى أيسر السبل على الإنسان للاهتداء والالتقاء مع النفس حتى يعرفها ويتأملها ، ويبحث عن أصلها ووجودها.
قال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢٠ ، ٢١] ، وقال أيضا : (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) [الكهف : ٣٧].
دعوات إلى التفكير ، واستخدام العقل ؛ لأنه مبدأ العلم ، وطريق الحياة ، وساق الآيات العديدة إلى أولئك الذين يعقلون ويفكرون ؛ لأنهم يهتدون وينتفعون ، ويرتقون بإنسانيتهم إلى مستوى راق بالكفر ، والعلم ، والعمل ، لا بالمال ، والتراث ، والثراء. بكل