تلك القيم النبيلة التى تعلى من شأن الإنسان كإنسان ، فيرتفع فوق شهوات نفسه ، ورغباته ، وأطماعه.
ومع الدعوة إلى العلم ، واستخدام العقل والفكر ، تأتى الدعوة أيضا إلى استغلال المفيد من التجارب ، والأحداث التى مرت ، والسنن التى وقعت ، (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣].
العالمون الذين وصلوا إلى النتائج الصحيحة من مقدماتها باستخدام عقولهم ، وربطوا بين الأسباب والمسببات ، وعرفوا حقائق الأمور بفهم السنن التى تحكمها ، وكيف جرت هذه السنن كما أرادها لها خالقها فى الكون الواسع العريض ، بأرضه وسمائه ، وأفلاكه وبحاره ، وفى حياة مخلوقاته ، من نبات ، وشجر ، ودواب ، وحشرات ، وطيور ، وأسماك ، وإنس ، وجان.
كل ذلك خضع لتلك المشيئة الإلهية التى حكمته وأجرته تبعا لسنن لا تختلف ولا تتغير ، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٦٢].
يعرض القرآن كل ذلك فى تلك الصور والمشاهد التى تتسع لتوضيح المرئيات ، وتصل إلى العقول والقلوب ، فتجتث منها الأفكار السقيمة ، وتقتلع منها النباتات الضارة من المعتقدات الفاسدة والأفكار الخبيثة ، وتغرس المبادئ السليمة ، والقيم الصالحة فى تلك البيئات ، والنفوس الجديدة التى استفادت بنور الله ، واقتدت بهديه ، وعرفت طريقها إلى الصالح من الأمر فسارت فيه ، إلى غير ذلك من المشاهد الفسيحة فى تاريخ الأقوام السابقين ، وبسط أحوالهم ، وذكر ما حاق بهم من نتائج أعمالهم.
وقد تضيق هذه المشاهد ، وتختصر تلك الصور فى كلمات موجزة بسيطة ، تعرض الأمور على عقول تستطيع أن تلمح ما وراءها ، وأن تسترشد بإيحاءاتها ، وأن تفهم ما تقصد إليه ، وعلى قلوب تحس باحتياجاتها إلى الهداية فى ليل الظلمة الحالكة ، وفى دياجير الحياة الخافقة بالاعتقادات الفاسدة ، والأوهام والأباطيل الملغية للعقل ، والفكر ، والإرادة ، والاستقلالية.
كل ذلك يعرض فى كثير من الألوان الحكمية ، والمشاهد التى تعرض فى آيات الله وأمثاله ، (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣].