الحاجة إلى علاج هذه الموضوعات :
النفس الإنسانية تواقة دائما إلى ما يرضى حاجتها ، ويشبع نهمها ، فهى ظمئة إلى ذلك السلسبيل من المدد الروحى الذى يفيض عليها بالراحة النفسية ، والوجدانية ، والعقلية.
وإذا كانت هذه النفس قد تعرضت فى أزمنتها السحيقة لكثير من ألوان المحن والابتلاءات ، وصنوف من الفساد متعددة ، حتى باعدت بينها وبين معرفة خالقها وموجدها ، وانحرفت بها عن جادة الصواب بكثير من فعالها ، وضلت السبيل فى عبادتها ، فلم يتركها الخالق سبحانه وتعالى تعيش فى ذلك الخواء الروحى والنفسى ، بل أنعم عليها من فضله بأولئك الرسل الكرام الذين اصطفاهم من خلقه ؛ ليكونوا أداة هداية ، ودعاة نور لبنى جنسهم وأقوامهم ، يأمرونهم بالمعروف ، وينهوهم عن المنكر ، ويباعدون بينهم وبين عبادة تلك الأصنام التى تحول بينهم وبين معرفة الواحد الأحد ، وبالتالى يدعونهم إلى النجاة من النار التى أعدها الله للكافرين الفجار.
عالج الأنبياء والرسل الكرام أوضاع هذه الحياة بوحى من الله فى كتب بين أيديهم ، وآيات يبصرونهم بها ، ومعجزات يجريها الله على أيديهم ويمدهم بها ، لتكون سندا لهم فى دعوتهم ، فتقف أمامها سطوات الجبابرة ، وقوى البغى ، عاجزة لا تستطيع لها دفعا ولا صدا ؛ لأنها قدرة الله وعونه لعباده المؤمنين المخلصين.
مع هذه الآيات الموحى بها من قبل السماء ، والآيات المرئية فى كون الله الواسع المحيط بالإنسان فى بره وبحره ، وأرضه وسمائه ، وكل ما يقع تحت حواسه المختلفة ، ومع المعجزات التى تجرى على أيدى الرسل والأنبياء ، جاء محمد صلىاللهعليهوسلم ليصل بهذه الأمة إلى الرشاد من الأمر ، وليكون منقذا لها من الضلال ، وآخذا بيدها إلى مرفإ الأمن والأمان ، جاء بتلك الرسالة الخاتمة ، رسالة القرآن ، الكلام المعجز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، قد فصلت آياته وأحكمت ؛ لتكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، ولتصنع تلك الأمة المسلمة الرائدة فى أولها ووسطها وآخرها لهذا العالم المتخبط الحائر الذى لا يعرف طريق هداية ، وتتغشاه ظلمات بعضها فوق بعض من ضلال العقائد ، وانهيار القيم ، وأطماع الحياة والأنانية المفسدة ، والبعد عن جادة الطريق.