وأعمال الله سبحانه وتعالى جلّت عن الشبيه والنظير ، وتنزهت عن اللهو والبعث ، إنما كانت لتحقيق غاية وحكمة تقتضيها مصلحة الإنسان والحياة ، وتتناسب مع ذلك التكريم الذى كرّمه للإنسان ، إذ خلقه فى أحسن تقويم ، وللتمييز الذى ميزه به عن بقية المخلوقات ، إذ جعله مناطا للتكليف ، وحمله تلك الأمانة الكبرى التى عرضها على السموات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها ، وأشفقن منها ، وحملها الإنسان.
أراد الله لهذا الإنسان أن يكون خليفة فى الأرض ، يعمرها ، وينتفع بخيراتها ، ويستفيد بتلك الكائنات والمخلوقات التى سخرت له من حيوان ، ونبات ، وأرض ، وسماء ، وجبال ، وأنهار ، ونجوم ، وأفلاك ... إلخ ما خلق الله ، وهو كثير ، ووقع تحت علم الإنسان ، ومعرفته ، أو الذى لم يستطيع أن يصل إلى أسراره ، وفك طلاسمه ، ولم يقع تحت سيطرته بعد.
أبدع الله كل ذلك على هيئة مهيأة لفعل من الأفعال المناسبة لخلقة الإنسان ، وفطرته التى فطر عليها ، وعقله ، وإرادته ، فهذا كله جعله فريدا بين مخلوقات الله ، ومهيأ لتلقى العلم ، مستفيدا بما يحصل عليه ، قادرا على تحصيل ما لا تستطيعه الملائكة من ذات أنفسهم ، والذين يفعلون ما يؤمرون ، فالإنسان بهذه الفطرة التى تلتقى مع العقل ، يسلك طريقه فى الحياة ، إما على هدى من الأمر ، أو انحراف إلى الضلالة حسبما تؤثر فيه المؤثرات والعوارض المختلفة التى تنتاب نفسه ، فتلهمها فجورها وتقواها ، وتدفعها إلى فعل الخير ، أو اقتراف الشر.
ولكن كما قال الله تعالى فى محكم قرآنه : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٣٠] ، عرف أن الإنسان بإمكاناته السابقة لا يستطيع أن يجعل نفسه بمنأى عن تلك العوارض التى تؤثر فى مسار حياته ، وأنه بحاجة إلى تكميل من نوع هذه المخلوقات ، ومن نفسه ، فكانت حكمته أن جعله أهلا للرسالات ، وتلقى أوامره ونواهيه ، واصطفى له من جنسه من يراه أهلا لتبليغ رسالته ، وحمل كلمة الله إلى القلوب والعقول ، فتتحقق الهداية ، وتكون العبادة خالصة لوجهه الكريم ، مبرأة من الدوافع والغايات ، (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات : ٥٦ ـ ٥٨].
من هذا المنطق ، وجدت أن خير بدء لهذه الموضوعات التى تعالجها الأمثال القرآنية