وكل هذا عن طريق الترغيب فى مجالات الخير بكل أنواعه ؛ ليفوز المؤمن بثواب الله ، (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) [آل عمران : ١٣٣ ، ١٣٤].
وإذا كان للترغيب صولته ومكانته فى الدعوة إلى الخير ، والصالح من العمل ، ففي المقابل كذلك يظهر جانب التحذير لعلاج تلك النفوس الخبيثة التى جبلت على الشر ، والبخل بالمال ، أو انحرفت عن جادة الصواب ، وسلكت طريق الضلال ، فارتكبت المعاصى ، واجترحت السيئات ، وابتعدت عن عمل الخير ، وكانت عونا للشيطان ، فخضعت لمغريات الحياة وشهواتها ، وسقطت فى حمأة الرذيلة ، وساءت نية وخلقا ، وخرجت بذلك عن دائرة التكريم الذى منحه الله لها ، بأن جعلها خير مخلوقاته ، والجديرة بتحمل أماناته فى الحياة الدنيوية التى يحياها الإنسان.
ثم يكون بعد ذلك التسلسل الطبيعى أن تتجه الأنظار إلى القيادة المختارة من قبل الله ، والمصطفى من عباده ؛ لحمل هذه الأمانة والرسالة ، فيأتى الرد على أولئك الذين يعترضون على رحمت الله ، وينكرون أن يكون الرسول بشرا ، (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف : ٣٢].
بل ويقترحون على محمد صلىاللهعليهوسلم الاقتراحات التى لو استجيبت ، لكان فى ذلك هلاك أولئك القوم وتدميرهم تدميرا ، ولكن رحمة الرسول التى جبل عليها كانت سبيلا إلى إبعاد الهلاك عنهم ، فلعل ذرية تخرج من أصلابهم تسبح الله وتحمده.
وهكذا كان الرسول كما عبر القرآن الكريم : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران : ١٥٩].
وبعد دور القيادة يأتى دور الشخصية المسلمة السوية ، وكيف تكونت ، واقتدت بالرسول الإنسان الكريم ، فى خلقه ، وعمله ، واتباعه لسنته ، حتى ظهرت تلك النخبة الصالحة التى فتحت الآفاق ، وأشعت هذا النور فى كل الأرجاء.
ما سر ذلك؟ وما المنهج الذى ربوا عليه؟ ذلك هو الدور الأخير الذى يحتاج إلى تبيان ، كى نرى منهج القرآن الكريم فى علاج هذه النفوس التى تتوق إلى علاج فى وقتنا الحاضر.