لقد تعرضت هذه النفوس لمناهج عديدة أخذت ترسم لها طريق الحياة بنزعات أصحابها ومفكريها ، واصطدمت بنظريات عديدة ما لبثت أن تهاوت ، فلم تفلح فى علاج نفس ، ولم تقض على أزمات الحياة بألوانها وأشكالها ، وكانت النتائج لذلك وخيمة فى أمراض نفسية عديدة ، وأزمات أخلاقية شملت الأفراد والجماعات.
ولذا فإن الاتجاه إلى تلك المناهج الربانية من ينابيعها الأساسية هو ولا شك خير طريق إلى الفلاح ، على أن نحسن الفهم ، ونعدل فى التطبيق ، ونساير الحياة بمتطلباتها العديدة.
١ ـ الدعوة إلى الإيمان بالله ووحدانيته :
وهى دعوة قام عليها الدين ، وبنى عليها أوامره ونواهيه ، وجعلها أساس العقيدة الصحيحة التى يعتقدها المؤمن بربه ، والتوحيد معرفة الله تعالى بالربوبية ، والإقرار بالوحدانية ، ونفى الأنداد عنه جملة (١).
وقد شغلت قضية البحث عن الله العقل الإنسانى من قديم الزمن ، فمنهم من آمن بأن الله موجود ، نظر إلى كل ما خلق الله حوله ، واستمد منه يقينه ومعتقده فى تلك المظاهر التى تدل على الخالق والمبدع من أرض وسماء ، وإنسان وحيوان ، ونبات وجماد ... إلخ ، ورأى فى كل ذلك نظاما مرسوما ، وقدرة فائقة تدل على مبدعها ومنشئها ، فلا يعقل أن تكون قد خلقت بدون خالق ، وآخرون أخذوا أنفسهم بالبحث عن دليل يؤيد فكرتهم ودعواهم الباطلة التى لا تؤمن إلا بالماديات ، وبما يقع تحت الحواس ، وهم لذلك ينكرون المغيبات من وجود الله ، والملائكة ، والبعث ، والحساب ، واليوم الآخر ، وما فيه ، ويجعلون حواسهم هى الطريق إلى الإيمان بمقاييس يضعونها لأنفسهم مع علمهم بقصورها ، فهناك أشياء موجودة ويعرفونها ، ولا تستطيع حواسهم أن تعرف عنها شيئا ، مثل الروح ، يجهلون حقيقتها ، ولا يعرفون عنها شيئا ، علما بأنها ثابتة وموجودة ، ويحكمون بعد ذلك الحكم الفاسد أن الطبيعة هى التى خلقت هذا العالم وما فيه ، وهذا الكون وما يسير عليه من نظام بديع لا يتغير ولا يتبدل ، نسى أولئك القوم تلك الحقيقة البدهية أنهم إذا أرجعوا ذلك كله إلى الطبيعة ، فمن أوجد الطبيعة؟ أأوجدت نفسها؟
__________________
(١) انظر : كتاب التعريفات لعلى بن محمد الشريف الجرجانى (ص ٧٣).