٣ ـ تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها (١) :
وتفسيره : أى لا تأكل بما يدره عليها ثدياها من أجرة الرضاع للأطفال ، وإن آلمها الجوع.
وأصل هذا المثل أن الحارث بن سليل الأسدي زار حليفه علقمة بن خصفة الطائى ، فرأى ابنته الزباء ، فأعجب بها ، وطلب من أبيها أن يزوجه إياها ، فقال له أبوها : أنت كفء كريم ، ولك من حسبك ومنصبك وبيتك ما يرغب فيك ، ولكن أقم حتى ننظر فى أمرك ، ودخل على زوجته يستشيرها فى الأمر ، ويعلمها بعزمه على تزويج ابنته بالخاطب ، فقالت له : لا تفعل حتى نعرض الأمر على ابنتنا ، فقالت الأم لابنتها : أىّ الرجال أحبّ إليك؟ الكهل المتاح ، أم الفتى الوضاح؟ قالت : لا ، بل الفتى الوضاح (٢) ، قالت : إن الفتى يغيرك ، وإن الشيخ يميرك (٣) ، وليس الكهل الفاضل الكثير النائل كالحدث السن الكثير المنّ ، قالت : يا أماه ، إن الفتاة تحب الفتى كحب الرعاء أينق الكلأ ، قالت : أى بنية ، إن الفتى شديد الحجاب ، كثير العتاب ، قالت : إن الشيخ يبلى شبابى ، ويشمت بى أترابى.
فلم تزل أمها بها حتى غلبتها على أمرها ، فتزوجها الحارث ، ورحل بها إلى قومه ، وبينما هو جالس فى فناء بيته ، إذ أقبل بعض الشباب من بنى أسد قومه ، فى فتوتهم وقوتهم ، فتذكرت حالها ، وقارنت بين حاليها ، فبكت على شبابها الضائع مع رجل كهل ، فلما رأى زوجها ذلك قال لها : ثكلتك أمك ، تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ، ثم قال لها : الحقى بأهلك ، لا حاجة لى فيك ، وقال :
تهزأت أن رأتنى لابسا كبرا |
|
وغاية الناس بين الموت والكبر |
فإن بقيت لقيت الشيب راغمة |
|
وفى التعرف ما يمضى مع العبر |
فإن يكن قد علا رأسى وغيره |
|
صرف الزمان وتغيير من الشعر |
فقد أرواح للذات الفتى جذلا |
|
وقد أصيب بها عينا من البقر |
__________________
(١) انظر : كتاب ألوان (ص ٨٢).
(٢) الوضاح : الحسن الوجه.
(٣) يميرك : يقدم لك أطيب الطعام ويميرك فى المعاملة.