الذى أرسل الحيا (١) أنبت المرعى ، ثم قسمه أكلا ، لكل فم بقلة ، ومن الماء جرعة.
وقد يعمل الإنسان عملا صالحا يحتاج إلى تأن فى جنى ثماره ، والوصول إلى نتائجه ، فأولى به أن لا ييأس من بلوغ الهدف ، وأن يقف موقف الآمل فى تحقيق الرجاء ، دون استسلام لهوى ، واستعجال لنتائج قد تتأخر ، أو قد يعوقها عائق عن سرعة الإنجاز وتحقيق المراد ، وأما إذا تحكمت فيه شراهة النفس ، وتعجل أموره ، فلن يكون حاله إلا كحال من عبر عنه المثل العربى :
٥ ـ استعجلت قديرها فامتلت :
فقد أبت نفسها الشرهة إلا أن تحقق مغنمها سريعا دون انتظار لنضج اللحم فوق النار فى قدرها ، فأخذت بعض ما فيه ووضعته فى الرماد الحار لتأكله سريعا ، وبذلك فاتها الكثير من أجل القليل.
ب ـ الإنسان والمجتمع :
وهكذا تصور الأمثال العربية النفس السوية فى منهجها فى الحياة ، وطريقتها فى معالجة شئونها ، ويبقى بعد ذلك أن تتلاءم مع الآخرين الذين يعيشون معها فى ظل مسئوليات ضخام تحتاج إلى أسلحة مادية ، وطريقة ناجحة ، وإعداد نفسى.
وقد يستدعى ذلك بعض التنازلات من قبل صاحبها فى سبيل اندماجه فى محيطه ، وتحمله لأعباء الآخرين.
وهكذا الحياة بقوانينها والتزاماتها تأبى إلا أن تستوفى حقها كاملا من الإنسان السوى بإتمام العمل وإتقانه ، والشجاعة فى تحمل مسئولياته ، والإخلاص فى إنفاذه ، والخبرة بأموره.
وكل هذه وفق منهج قرآنى استقر فى أعماق النفس البشرية والإنسانية من قديم الزمن وحديثه ، وتعرضه الأمثال العربية بتلك الكلمات البسيطة :
٦ ـ أعط القوس باريها :
فصانع القوس أدرى بأسراره ، وأعلم بإمكاناته ، وهو الذى يستطيع أن يصلح عيوبه.
__________________
(١) الحيا : المطر. انظر : كتاب ألوان (ص ٢٩).