بمعنى العموم ، ويصح أن يكون راجعا إلى الإنسان الكافر فى قوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ) [عبس : ١٧] ، والمعنى عليه أن ذلك الإنسان الكافر لم يقض ما أمره به ربه من التأمل فى دلائل عجائب خلق الله تعالى (١).
ثانيا : آيات فى إمداد الإنسان بما يحتاج إليه من رزق وطعام :
قدمنا دلائل القرآن على الماديين فى إثبات وجود البارى بذكر خلق الإنسان ، وتطوراته ، وبيان نشأته ، وهى وقائع محسوسة ، وآيات ملموسة لا يتأتى لعاقل إنكارها ، ولا يستطيع ذو فطرة سليمة أن يجحدها ، اللهم إلا عند من خسر نفسه ، وكفر بالضروريات والمشاهدات ، وصدق الله إذ يقول : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) [لقمان : ٣٢].
ثم إن الله تعالى أمد الإنسان بإمدادات هى قوام حياته ، وأصل غذائه ومعاشه ، وأساس منافعه وحاجاته ، هى أيضا براهين ودلائل على وجود الخالق سبحانه ، منعما عظيما ، وبرا رحيما ، ومتفضلا دائم الفضل ، عميم الكرم. ونسوق فيما يأتى بعض هذه الإمدادات ، وتلك النعم ، بيانا للضالين ، وعظة وعبرة للمتقين.
__________________
(١) قبل أن ندع الحديث عن خلق الإنسان ، أحب أن أشير إلى رأى علمى ساقه الدكتور جمال الدين حسين مهران ، بكلية الصيدلة ، جامعة القاهرة ، ونشر فى جريدة الأهرام (٢٨ / ٨ / ١٩٨١) بيانا للآية الكريمة : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) : يأمرنا الله أن ينظر الإنسان فى نشأته كى يحس بدلائل قدرة خالقه ؛ ليستدل بذلك أن الذى أنشأه قادر على إعادة خلقه بعد موته. وقد خلق الإنسان من ماء متدفق يندفع من بين الصلب ، وهو منطقة العمود الفقرى ، والترائب وهى عظام الصدر.
وقد أبانت دراسات علم الأجنة الحديثة أن نواة الجهاز التناسلى والجهاز البولى فى الجنين تظهر بين خلايا الطبقة الجرثومية الوسطى الموجودة بين المنطقة الصدرية والمنطقة القطنية أو البطنية للعمود الفقرى ، وتبقى الكلى فى مكانها ، وتنزل الخصية إلى مكانها المعروف فى الصفن عند الولادة ، وعلى الرغم من انحدار الخصية إلى أسفل ، فإن الشريان الذى يغذيها بالدم طيلة حياتها يتفرع من الأورطية بحذاء الشريان الكلوى.
كما أن العصب الذى ينقل الإحساس إليها ، ويساعدها على إنتاج الحيوانات المنوية ، وما يصاحب ذلك من سوائل ، متفرع من العصب الصدرى العاشر الذى يغادر النخاع الشوكى بين الضلعين العاشر والحادى عشر ، مما يظهر أن الأعضاء التناسلية وما يغذيها من أعصاب وأوعية دموية تنشأ من موضع فى الجسم بين الصلب والترائب ، أى بين المنطقة القطنية والمنطقة الصدرية للعمود الفقرى.