قال البغوى : ومنتهى النقص تسع ساعات ، ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة. وقال الرازى : إن النور والظلمة عسكران عظيمان ، وفى كل يوم يغلب هذا ذاك ، وذاك هذا ، وفى ذلك دلالة على أن كل واحد منهما مغلوب مقهور ، ولا بدّ من غالب قاهر لهما يكونان تحت تدبيره وقهره ، وهو الله تعالى. رحم الله الرازى ، وجزاه عن الإسلام والحقيقة خير الجزاء.
دلائل من سورة الرعد : هذا وقد رأينا أن نسوق أوائل سورة الرعد ، فقد جمعت ثمانية أدلة ، منها اثنتان سماويتان ، وستة أرضية ، قال الله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد : ٢ ـ ٤].
الدليل الأول : قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) [الرعد : ٢] : ذكرت هذه الآية عقب قوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) [الرعد : ١] ، برهانا قويا على التوحيد ، ودليلا ساطعا على عظمة البارى وقدرته ، ومعنى قوله : (رَفَعَ السَّماواتِ) [الرعد : ٢] ، أى أنشأها مرفوعة لا أنها كانت موضوعة فرفعها ، ولكن جعلها فى الابتداء مرفوعة ، ودلالة ذلك على التوحيد ظاهرة ، فإنه لا يقدر على رفع ما فيه سعة وبعد بغير عمد إلا الله الواحد القهار.
وتوضيح تلك الدلالة أن ارتفاعها على سائر الأجسام ليس مقتضى جسميتها ، ولا مقتضى ذاتها أو ذات غيرها ، وإلا كان كل جسم كذلك ، ولا مقتضى خصوصيتها النوعية ؛ لأنا ننقل الكلام إلى اختصاصها بتلك الخصوصية ، فنقول : إن اختصاصها بها ليس لجسميتها ، وإلا كان كل جسم كذلك ، وليس اختصاصها بهذه الخصوصية لذاتها ولا لذات غيرها ؛ لأن الأجسام والأحياز متساوية ، فتعين أن يكون لارتفاعها مخصص خارجى ليس جسما ولا جسمانيا ، وإلا لكان له حيز يشغله بذاته ، أو بتبعية موضوعه ، ولا بدّ أن يكون ذلك المخصص أيضا فاعلا مختارا يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته.