يَعْلَمُونَ) [النحل : ٣٨] ، أنهم يبعثون ، إما لعدم علمهم بأن البعث من مواجب الحكمة التى جرت عليها عادته سبحانه بمراعاتها ، وإما لقصر نظرهم على المألوف حين يشاهدون الميت يمكث مدة مديدة ، وأحقابا طويلة لا تطرأ عليه حياة ، فيتوهمون امتناع البعث ، ثم بين سبحانه الحكمة فى البعث بقوله : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) [النحل : ٣٩] ، وذكر سبحانه إمكانه ، وأن مألوفهم وما يشاهدون من عدم طريان الحياة على الميت فى أزمان متطاولة أمر عادى لا يتنافى مع قدرة القادر ، وذلك فى قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠].
وإيضاح ذلك وتفصيله كما يلى :
حكمة البعث : إن الحياة كما هو مشاهد تجمع بين الحق والباطل ، والعدل والظلم ، والإنصاف والجور ، فإذا لم يكن للمغلوب أمل يحتمى به ، ويعيش عليه ، فى أنه سينتصر يوما ، وأنه سيأخذ حقه حتما ، كان ذلك قضاء على وجوده ، وقتلا لحياته ، وهذا ما يأباه المنطق الصحيح والعقل السليم ، فضلا عن الحكمة الإلهية.
وإذا لم يكن لذوى الحق والخير وأولى الفضيلة والكرم أمل فى أن يحسب لهم هذا ويجازون عليه ، انعدم الحافز على الخير ، وبطل الداعى إلى المعروف ، وكانت حياة تعسة مرذولة تأباها الحيوانية المحضة ، فضلا عن الإنسانية الكاملة ، وإذن فلا بد من (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران : ٣٠]. فعلى الماديين أن ينظروا فى هذا نظر استدلال واعتبار ، وأن يتأملوا عن فكر واسترشاد.
إمكان البعث : وهو كما تقدم ذكره : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] ، فالمقصود كما قرره العلماء بيان سهولة خلق الإنسان عليه سبحانه ، وأنه متى أراد الشيء كان ، فمثل الله تعالى تكوينه للمكونات بمجرد تعلق إرادته من غير توقف وامتناع ، بأمر الآمر المطاع إذا أمر المأمور المطيع المسارع فى الامتثال ، فعبر عن سرعة تكوينه على الوجه المذكور بالأمر المستلزم للامتثال ، فإنه تعالى لو أراد خلق الدنيا والآخرة بما فيهما فى قدر لمحة بصر ما عاقه شىء. والمعنى أن إيجاد كل مقدور على الله تعالى بهذه السهولة ، فكيف يمتنع عليه البعث الذى هو أهون من الإبداء بالنسبة إلى عقولنا.