يقتدى بكم أتباعكم ، فتكونوا حاملين لأوزاركم وأوزارهم ، كما قال تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) [النحل : ٢٥] ، والجهال لا يقتدى بهم ، فلا يكونون أول الكفار ، خاطبهم الله تعالى ، وأمرهم أن يذكروا نعم الله عليهم ، استمالة لقلوبهم ، وتحريضا على أداء شكرها ، وتوبيخا على إعراضهم عنه ، وأمرهم بعد تذكير النعم أن يوفوا بعهوده ؛ ليكونوا أئمة فى الإيمان به ، عليهالسلام ، وبما أنزل عليه.
نعم الله على بنى إسرائيل :
والنعم على بنى إسرائيل كثيرة ، منها أنه تعالى استنقذهم من فرعون وقومه ، وأورثهم أرضهم وديارهم ، وأنزل عليهم الكتب ، وجعل فيهم أنبياء ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، وهذه النعم وإن كانت على أسلافهم ، فهى نعم عليهم أيضا ؛ لأن الإنعام على الآباء إنعام على الأبناء ، من حيث إن الأبناء يشرفون بشرف الآباء.
وقيل : أراد بالنعم ما أنعم الله به على آبائهم وعليهم ، حيث أدركوا زمن النبى صلىاللهعليهوسلم ، وبناء على هذا يكون انتظام الآية بما قبلها حسنا جدا من جهة أنه تعالى لما عرض لهم من أول هذه السورة إلى هذا الموضع مرارا متعددة ، حيث ذكر نفاقهم ، وعذابهم الأليم على هذا النفاق ، وعدد ما أنعم به على كافة البشر من نعمه العامة التى من جملتها تكريم أبيهم آدم ، عليهالسلام ، وأنكر قبح حال من يكفر بالله الذى أنعم بمثل هذه النعم ، ثم خاطب الكل بقوله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٣٨].
ومن هنا كان تخصيصهم بالخطاب من بين المخاطبين بعد ذكر الخطاب العام فى قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) [البقرة : ٢١] حسن الموقع جدا من حيث إنهم قد آتاهم الهدى ، وتمكنوا من الانتفاع بالنعمة العظمى ، وهى نعمة من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين فى وقت اختلافهم وتغييرهم الكتاب ، وكانوا يستفتحون به على الذين كفروا ، وقد خص أسلافهم من جلائل النعم بما لم يظفر بمثله أحد ، فأمروا بشكر هذه النعم حتى يكونوا ممن أدى شكر سوابق النعم ولواحقها.
ولم يرض بعض العلماء بهذا القول بناء على أن حمل النعمة على ما ذكر يحتاج إلى